تعرض لنا في حياتنا آلام قد نكون من أحدثها أو من حدثت له.. وهذه طبيعة البشر وطبيعة علاقاتهم وتعاملاتهم الممتدة التي ينالها الخطأ كما ينالها الصواب، وتتسلل إليها مرهقات الفؤاد من فعل وقول..
فكيف نجعل من قلوبنا وألسننا رفقا على من أشركنا زمانُنا ومكانُنا معهم فكنا طرفا من أطراف حياتهم وكانوا لنا طرفا؟
مما يروى (أن رجلا أعطى ابنه كيسا مليئا بالمسامير وقال له: قم بطرق مسمار واحد في سور الحديقة في كل مرة تفقد فيها أعصابك وتختلف مع أي شخص وتجرحه.. وفي اليوم الأول قام الولد بطرق (اثنين وثلاثين) مسمارا.. و عند نهاية الأسبوع تفاجأ الابن بعدد كبير من هذه المسامير!
بعدها قرر أن يتحكم بنفسه وأن يعمل على تقليل هذا الكم فتمكن من ذلك وكان عدد المسامير التي يقوم بطرقها أقل بكثير من السابق.. وظل في تحفيز لنفسه إلى أن جاء اليوم الذي لم يطرق فيه مسمارا واحدا.. فذهب لوالده وأخبره بأنه لم يعد بحاجة لطرق أي مسمار.. قال له الأب: أما وقد وصلت لهذا فقم بخلع مسمار عن كل يوم يمر بك دون أن تفقد أعصابك.. ومرت الأيام على هذا المنوال إلى أن تمكن من إزالة جميع المسامير ثم أخبر والده بهذا.. أخذه والده إلى السور وقال له: قد أحسنت التصرف ولكن انظر إلى أثر هذه الثقوب إنه لمن الصعب أن تعود كما كانت.. يابني إنك إن تستطع أن تطعن الشخص ثم تخرج السكين من جوفه، فلن تستطيع أن تمحو أثر تلك الطعنات وذكراها...)
في هذه القصة عاشت بين الولد ومساميره حادثة جور أظناها الاعتذار في وقف النزف.. ولم يرضها شكل الجراح وأثرها.. فباتت علامة تخبره بما خلَّفه لسانُه وفِعله.. وتخيفه أن ينال قلبه كما نال سوره.. والقلب وإن أرضاه الاعتذار فزائرات الفكر الملطخة بدماء الألم ترهقه وإن كانت في زيارتها تمر مرور الكرام.. ونفوس الأكرمين التي تسامح تأبى الضيم و تأنفه وإن اهتزت رؤوسها بقبول الأسف.. وما كل ماكُسِر جُبِر؛ فكسر الزجاجة لا يشعب.. وتبقى دلالة المسامير دلالة محاسبة لمن اعتاد التجريح دون مبالاة وإن أردف هذا باعتذار.. فقلوب الناس دماء.. ومشاعرهم ليست هواء.. وما تحمله بين جوانحك هم يحملونه.. وصدق رسول الله حين جمع كل هذا في قوله: (عامل الناس كما تحب أن يعاملوك..)
almdwah@hotmail.com