نشرت جريدة الوطن يوم الأربعاء 7-6- 1429هـ خبرا تحت هذا العنوان (القراءة تبدأ من الرضاعة) مشروع ثقافي سويسري، أطلق عليه اسم (البداية من الكتاب)، وبموجب هذا المشروع يستلم كل طفل سويسري يبلغ ثمانية أشهر وحتى سن الرابعة، مجموعة من الكتب مجاناً، بهدف تكوين حب القراءة عند الناشئة منذ الأشهر الأولى للرضاعة، وجاء في الخبر أن الآباء يتلقون إرسالية بكتابين حسب لغة الطفل، بعد ذلك يسلمون شيكات مالية تصرف من المكتبات لشراء كتب حتى يصل الطفل إلى سن الرابعة من عمره، وهو سن الالتحاق بالدراسة التمهيدية التي تسبق المرحلة الابتدائية. إنها أمة مشغولة بتنمية العقول، وشتان بينها وبين أمم مشغولة بملء البطون.
الأمة السويسرية مثل غيرها من الأمم الغربية تؤمن بقيمة الكتاب، وبأهميته في الحياة، بل وبوجوب تكوين حبه والشغف به منذ سنوات التكوين الأولى، لما لهذه السنوات من دور رئيس في تعويد الناشئة على القراءة ومحبتها، وتملك مهاراتها، وهم بهذا يدركون كون الكتاب المدخل الصحيح والرئيس والأهم في التزود بالمعرفة، واستثمار الوقت بما يعود بالفائدة والنفع على الإنسان عقلاً وجسماً، وعلى المجتمع تنمية وتقدماً.
في أحد المطارات الدولية وقبل الإعلان عن موعد إقلاع الطائرة إلى الرياض، كانت صالة الإنتظار تغص بالمسافرين من جنسيات مختلفة في أعمارها وألوانها، كان السواد الأعظم من المتنظرين مشغولاً بأمور أقل ما يقال عنها أنها تافهة، وبعضها يعكس مظهراً غير لائق البتة، بل يعد سلوكاً شائناً، مثل ذاك الذي أشغل نفسه بأكل حب (الفصفص) وبشراهة غير معقولة، وياليته اكتفى بذلك بل بدا وكأنه ذراية تتطاير منه قشور الحب يمنة ويسرة، حتى كسا الأرض تحته بمخلفات شوهت المكان، أو ذاك الذي أشغل نفسه بمراقبة الناس وتفحص ملامحهم وأشكالهم، وكأنه قد أوكل إليه مهمة تحديد هوياتهم وإعداد تقرير عنهم، وذاك الذي يذرع الصالة ذهاباً وجيئة، والآخر الذي توسد حقيبته ونام على الكرسي وشغل مكاناً يتسع لأربعة أشخاص، وغير ذلك من صور السلوك غير الحضاري الذي يتعذر حصره.
وفي مقابل تلك السلوكات الشائنة، فتح أحد الجالسين -لونه وملامحه غربية- حقيبته وأخرج كتاباً معه، وبدأ في القراءة، كان منهمكاً مسترسلاً، متفاعلاً مع مضامين الكتاب، غير آبه لما يدور حوله من ضجيج، وفي الوقت نفسه أخرجت زوجته كتاباً مصوراً من حقيبتها، وبدأت تقلب صفحات الكتاب شارحة وموضحة لصغيرها الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره مضامين الصور وما تحمله من قيم ومعان، هذه الصورة الجميلة متواترة معروفة عن هؤلاء القوم، تلحظها بينهم في الطائرة وفي القطار وفي أي مكان انتظار عام.
هذه الصورة البهية لم تكونها جينات وراثية خاصة بهم، بل كونتها التربية الأسرية الجادة، وعززتها ورسختها مؤسسات التربية والتعليم، المدارس والجامعات.
هؤلاء القوم أدركوا قيمة الوقت فاستثمروه، أما نحن فأمة تفرح بهدر الوقت، والتمتع الأجوف بالإجازات، واللهو ولعب الورق، والسهر أمام فضائيات العبث، وغيرها من سلوكات هدر الوقت التي تفسد العقل، وتضر الجسم.
وللحديث صلة،،،