إن الله جواد يحب البذل والعطاء، وكان الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، أجود الناس، وأعظمهم صدقة؛ روي عن أنس أنه قال: (ما سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - شيئاً إلا أعطاه، فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة).
من ينفق ينفق الله عليه، وإنفاق ولي الأمر على الرعية يرجى أن يكون من أعظم أوجه الإنفاق، خاصة على الفقراء والمحتاجين، واليتامى، ومن أصابته الدنيا. في مثل هذه الظروف الحرجة، وبعد أن أصابت الأزمة المالية العالمية الناس بالهلع، أصدر خادم الحرمين لشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أوامره بتخصيص عشرة مليارات ريال لبنك التسليف السعودي لمساعدته في تلبية طلبات قروض المواطنين، الاجتماعية منها على وجه الخصوص. إضافة إلى إنسانية القرار، يمكن النظر إلى تخصيص هذا المبلغ الضخم من زاوية الملاءة المالية والقدرة على توفير سيولة بحجم ميزانية دولة لتمويل المحتاجين. من ينفق على رعيته لا يخشى ذهاب ماله، بل يرجى له البركة والنماء، وإن كسد العالم؛ قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
هناك فارق كبير بين القرارات الإنسانية التي يُرجى بها وجه الله، وبين القرارات الأخرى التي يتم قياسها وفق النظريات الاقتصادية العامة، فالأولى وإن خالف بعضها المنطق البشري في الظاهر، فالله كفيل بمباركتها وجعلها الخيار الأمثل للبلاد والعباد؛ أما الثانية، فقد تفشل في تحقيق أهدافها وإن أعتقد العلماء والمختصون صلاحها. بركة الله وتوفيقه هما الضامن الوحيد لنجاعة القرارات. النية أساس العمل، فمن أراد بعمله وجه الله الكريم، بارك الله فيه، وتقبله، وأخلف عليه خيرا، ومن ربط عمله بغير ذلك أوكله الله له، فخسر بركة الله وتوفيقه وقبوله.
الأزمة الحالية من محن الدنيا والابتلاء، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }، لا تستقيم خطط مواجهتها بمعزل عن الهدي الرباني؛ لذا يجب ألا نركن لأقوال المنظرين، ونظريات الاقتصاديين التي تعتمد على ترك الحبل على الغارب لتطبيق نظام (الاقتصاد الحر) فالاقتصاد الإسلامي كفل حرية الفرد وضمن مصلحة الجماعة فمتى تحقق ذلك أمكن بإذن الله، حماية المجتمع، ومكوناته من كثير من الأزمات.
تتمتع المملكة باقتصاد متين، وفوائض مالية ضخمة، ومصدرا للطاقة العالمية لا يمكن الاستغناء عنه، وحكومة مؤمنة رشيدة استطاعت أن تبني اقتصاد قوي قادر على مواجهة الأزمات العالمية بشهادة الهيئات الدولية، فهل يستحق اقتصادنا منا كل هذه الهلع الذي عصف بسوق الأسهم، وكاد أن يعصف بالقطاع المصرفي!؟. وهل تستحق سوق الأسهم ما تجده من إهمال وتركها لمواجهة الانهيار الذي قضى على مدخرات المواطنين؟.
المليارات التي أمر بها ملك الإنسانية عبدالله بن عبدالعزيز لبنك التسليف يفترض أن تكون نبراسا يقتدي به المسئولين عن صندوق الاستثمارات العامة ومن يديرون فوائض الدولة وتدفعهم لاستثمار أموال الوطن في سوق الوطن الآمنة، طلبا للبركة والنماء، وتحقيق الربح، ودعم السوق التي حيرت الخبراء، وأفقرت الأغنياء، وخلفت الكثير من المشكلات الاجتماعية. (الضروريات تبيح المحظورات) قاعدة فقهية يجب أن تقدم على نظريات الغرب، والاقتصاد الحر؛ فأكل الميتة عند المخمصة والتلفظ بكلمة الكفر تحت الإكراه، أمور محرمة تبيحها الضرورة، فلما لا تبيح حاجة البلاد والعباد والسوق المنهارة نواهي نظريات الاقتصاد الحر، وقناعات المنظرين الذين لم تطلهم شظايا الأزمة العالمية، وانهيار السوق!!.
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244
f.albuainain@hotmail.com