أجمل الأوقات وأقربها لكل منا حين تحفل كل ثانية فيها بأخبار سارة، وتعطّر الإنجازات كل أجوائها بصور من هذه الجماليات، ويطمئن المرء معها وعندها بثقة على أنه موعود بتكاثر ما يسعده ويسعد غيره في كل شيء يرسم الابتسامة على شفتيه، غير آبه بالتخرّصات والتشكيك وتشاؤم الآخرين.
***
أجملها على الإطلاق حين تترجم مسارات الحياة لكل منا على شكل خطى متسارعة من العمل الدؤوب لبلوغ أهدافنا وما نتمناه في هذه الحياة، لتكون زاهية ومثيرة، وقادرة على أن تُعنْون لنا كل هذه النقلات الحضارية وتختصرها بالإعلان عن الإنجازات التي تتكرر وتتنوّع وينبغي أن تستمر أمام أعيننا مع إشراقة صباح كل يوم.
***
هكذا هو الإنسان، يتفاعل دائماً مع كل إنجاز جميل، ويتأثر حين يرى مشهداً من مشاهد التطور والنمو، فهو مع كل جديد يُضاف إلى إنجازات الوطن، ومع كل مشهد من مشاهد هذا البناء السامق، دون أن يقول إن طموحه قد بلغ منتهاه، فهو مع المزيد حيثما كان هناك إمكانية لمزيد من فرص ومجالات الإعمار والبناء.
***
تمثّلت هذه القناعات عندي وتلك الصور في ذهني في لحظات كنت حينها أرى هذا التوجه الجميل من شبابنا نحو ميدان العمل وعزمهم وتصميمهم على اقتحامه لأداء متطلبات الوطن، ليعكسوا بهذا المشهد واقعنا وتاريخنا وسمة الإخلاص والطموح في كل شاب من شباب الوطن الغالي.
***
وكنت أرى فيها ومضات مشرقة من صور البناء والتطور، تلتقطها عدسة العين في ظل هذه الأجواء السارة التي نتحدث عنها بانبهار كلما كانت هناك مناسبة أو فرصة لنتباهى بها، فهنا تكون ثقافة المنافسة على الخير ومصدر الطموح الذي لا ينتهي، وحيث الإخلاص والتفاني والرغبة في العمل الجاد من غير تشبّع أو ملل أو شعور بالاكتفاء.
***
أكتب هذا من وحي زيارتي وبعض زملائي في صحيفة الجزيرة لإدارة مرور الرياض، لمشاهدة تطوير وتحديث مركز القيادة والتحكم المروري بمرور منطقة الرياض، حيث الإنجاز الأكبر والتاريخي - غير المسبوق - على مستوى منطقة الشرق الأوسط، من حيث الإمكانات والتنظيم ومتطلبات القيادة والتحكم لضبط سير حركة المرور في واحدة من أكبر عواصم دول المنطقة.
***
فقد كانت كل شوارع الرياض وعلى الهواء مباشرة أمام أنظارنا في صور عدة بمركز القيادة والتحكم، من خلال (كاميرا) مراقبة الحركة المرورية، وحيث ضم التطوير ربط النظام بمعلومات المتصل آلياً وربطه بنظام المعلومات الجغرافية للمدينة، مع توثيق لجميع المعلومات من صور وصوت، وفي استخدام احترافي هائل للتقنية وتوظيف واسع لكل تفاصيل تقنياتها لصالح السيطرة على حركة المرور.
***
ففي هذا المركز يتم تلقي البلاغات عن الحوادث مع وصف دقيق لها والتوجيه بكيفية التعامل معها، بينما يساعد ظهور الحادث على الخريطة أثناء تلقي البلاغ على أخذ القرارات المناسبة بسرعة متناهية، فالنظام المتطور يحدّد على الخريطة الحوادث ونوعيتها وتحديد المكان ورقم المنزل المتصل منه، إلى جانب استخدام النظام الإحصائي للبحث عن نوعية البلاغ، فضلاً عن متابعة نظام العمليات لكل التطورات على الأرض.
***
ومراحل التطوير التي شاهدناها كثيرة ومتنوّعة وسلسلة، وقد بدأ بها مرور الرياض - كما أشار العقيد عبدالرحمن المقبل - من حيث انتهى الآخرون، اعتماداً على زيارات متعددة لخبراء من أمانة منطقة الرياض والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ووزارة النقل ومرور الرياض وغيرها من الجهات الحكومية لعدد من الدول وبينها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وكوريا وكندا وألمانيا، وقد سبقت هذه الزيارات البدء في تصميم هذا المشروع الجبار، مما ساعد على بنائه بمواصفات عالمية تلبي احتياجات عاصمة المملكة، وتستجيب لتطلعات مواطنيها والمقيمين فيها.
***
وهذا المشروع يمثل في حقيقته قصة نجاح موعود به مرور الرياض، حيث سيتعامل من الآن وبشكل دائم مع تعقيدات حركة السير ومعوقاتها وأسباب الشكوى المرة من حالتها بتوظيف هذا المشروع العملاق في مساعدته في السيطرة على الوضع المروري في مدينة الرياض، وأنصح - بالمناسبة - العقيد عبد الرحمن المقبل مدير مرور الرياض بأن يضع برنامجاً لزيارات مستمرة ودائمة لطلاب المدارس للمركز بحكم أنهم الفئة المستهدفة قبل غيرها بإيجاد هذا المشروع، حتى يتأكّد لهؤلاء الطلاب من خلال هذه الزيارات أن عين رجل المرور وعين تقنية الاتصالات سوف لن تتسامحا مستقبلاً أو تتهاونا في ضبط مخالفاتهم لنظام السير وما يترتب عليها من عقوبات.
***
وقصة هذا المشروع العملاق الذي يرمز إلى تسارع خطى إصلاح حركة المرور في مدينة الرياض بدأت بتبني أمير المنطقة سلمان بن عبدالعزيز إسراتيجية طموحة لتطوير العمل في مرور الرياض من خلال توجيهه قبل خمسة أعوام بأهمية الاتصال ببيوت الخبرة العالمية لمعرفة رأيها بحركة المرور في مدينة الرياض وحشد كل القطاعات الحكومية ذات الصلة للعمل مع مرور الرياض لوضع تصور لهذا المشروع بالتعاون مع الخبراء العالميين على أن يتم ذلك بصمت ودون أي حضور إعلامي.
***
ومع توجيه سلمان وجدِّية شركاء النجاح في القطاعات الحكومية بدأ أولاً تشخيص حالة مرور الرياض، وكانت المفاجأة - غير السارة - أن تقييم إحدى الشركات العالمية لوضع حالة مرور الرياض كان صفراً على الشمال لتنطلق البداية بعزم وتصميم إثر هذا التقييم المحبط في بناء قاعدة معلومات، ولتتوالى بعدها الأفكار والمتطلبات إلى أن تم إنجاز ما وجّه به سمو أمير منطقة الرياض.
***
ومن الواضح أن تأهيل العناصر البشرية التي كان ينبغي أن تُهيأ مبكراً لإدارته وتشغيله بكل ما فيه من فنيات وتعقيدات وتقنيات متطورة كان يتم تدريبها موازياً لإقامة المشروع، وجميعهم من رجال المرور، بمعنى أنه يدار الآن بكفاءات سعودية، ودون أن يحتاج مرور الرياض إلى الاستعانة بأي ممن هم غير سعوديين لإدارته وتشغيله.
***
والمشروع بالتفاصيل التي استمعنا إليها من مدير مرور الرياض العقيد عبدالرحمن المقبل - وهو الرجل الجاد والحازم والمثقف - لا يمكن حصرها في بضعة سطور، أو القول بأن كلمة عابرة يمكنها أن تغطي ما شاهدناه من إيجابيات، غير أن الأهم من ذلك أن يتجاوب الجمهور مع هذا الإنجاز، ويلتزم كل منا بنظام السير حتى نحد من الحوادث القاتلة ونحمي أنفسنا من الموت، فرجل المرور يجب أن يكون في خدمتنا، وهو كذلك، ولكن علينا أن نتعاون معه ونحترم النظام وبهذا نقدِّر لمهندس الرياض الأمير سلمان اهتمامه بنا وحرصه بألا تكون مدينة الرياض مقبرة للموت.