كثيرة هي الإنجازات والمشاريع التي تمت من أجل الوطن وأبناء الوطن لتحقق له الراحة والأمن والاستقرار في إطار من المحبة التي يفيض بها قلب الأب القائد التي نراها في عيون الصغار قبل الكبار، إلا إن إنجازاً كهذا يعد متميزاً لأنه منحة خاصة بالأنثى الأم والبنت فإنشاء جامعة للبنات تحفظ لبناتنا خصوصيتهم داخل أسوار جامعية خاصة بهن تقوم عليها نخبة نسائية متميزة حريصة ذات تأهيل أكاديمي عالٍ أثرت خير الوطن وبناته ومصلحتهم على راحتها ومصلحتها بإشراف ومتابعة مستمرة من مديرتها.

كل شيء كان رائعا في الاحتفال التأسيسي إلا ان الأكثر روعة هو ما سمعناه منكم عندما اقترح تسمية الجامعة باسم جامعة الملك عبدالله بإيثاركم عمتكم لتصبح جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للبنات في سبق متناهي الإبداع لم نسمع له مثيل يسجله لك التاريخ مع أعمالك الجليلة الكبيرة لأنه إيثار ملك وأي ملك!! ملك الإنسانية لمملكتنا الحبيبة مملكة الإنسانية مملكة المحبة والإيثار والعقيدة... لتعطينا دروساً في التربية ودروساً في الإيثار ودروساً في تقدير الكبار وإن رحلوا دروساً في تقدير المحبين للوطن والساعين لخيره نموذجاً رائعاً في البر. وإن كان هناك مشروع آخر كنتم السباقين إليه وهو مشروع بر الملك عبدالله لوالديه فإن بركم بعمتكم نموذج آخر للبر والحب وهي رسالة صادقة للأجيال يتذكرونها كلما رأوا أو سمعوا جامعة نورة هذا السبق لن يكون حديث اليوم وغداً بل سيبقى درساً للأجيال وستؤلف فيه الكتب والأبحاث لأنه درس عملي في التربية والصلة والبر يجب أن يستفيد منها أجيالنا وأن يأخذ به المربون والآباء إن حققناه مع أبنائنا صنعنا منهم أبطالا محبين لوطنهم لا يتأثرون ولا يستسلمون للأعداء ولن نفجع بإذن الله بالحوادث الدامية المؤلمة من عبث وتفجيرات لبنية الوطن.

إنه درس رائع في الإيثار والتربية يجب أن يكون ضمن المناهج الدراسية تقام حوله المسابقات وأن يخصص يوم دراسي في كل فصل أو عام يسمى يوم البر.

فمن هي نورة بنت عبدالرحمن؟

إنها شقيقة لملك البلاد ومؤسسها الملك عبدالعزيز كان يقدرها ويأخذ بمشورتها لما رآه منها من رجاحة عقل وفهم وبصيرة، كان يفخر بها فأصبح قوله المأثور عند المواقف الصعبة (وأنا أخو نورة) مثلاً يتردد على الألسنة وهذا يبيَن مكانة المرأة عند عبدالعزيز في زمن كان فيه اسم الأم أو الأخت لا يجرؤ أحد على ذكره في مجالس الرجال فقد وجد عبدالعزيز في نورة الرأي والمنطق والحكمة في وقت لم تكن فيه مدارس ولا تعليم ولا قنوات اتصال ولا دورات تدريبية ولكنها تميزت بقوة الشخصية مستمدة ذلك من إيمانها وتربيتها الصالحة، هذه هي نورة وهذا هو شقيقها الملك عبدالعزيز.

إنه درس من المؤسس لأبنائه بالبر وكل أبناء الوطن أبناء لعبدالعزيز، درس في احترام الأنثى والأخذ بمشورتها وتقديم رأيها درس في إنصاف المرأة وحفظ حقها.

وهو درس أيضا من خادم الحرمين لبنات الوطن إن لكل مجتهد نصيبا ذكراً كان أو أنثى إنه إبداع ملك لم يسبقك فيه أحد يا خادم الحرمين وإنك مأجور يا ولي أمرنا ما بقيت هذه الجامعة لتحكي للأجيال أروع درجات الإيثار والبر والإحسان ولن تكون الوحيدة ولكن جامعة نورة ستفتح الباب لمنشآت جبارة أخرى تحكي قصصاً رائعة من البر لأبناء الوطن لكم مثل أجرها لأنكم أول من وضع الغرس

كما يقول بعض العلماء: إن لوالدة أحمد بن حنبل مثل أجر ابنها لأنها دلته على الخير، وهي سنَة حسنة وصدقة جارية لكم بإذن الله.

وبهذه المناسبة فإن لي ثلاث رسائل

الأولى مع من يحمل مسؤولية التربية والتعليم:

أيها المربون إنكم أصحاب رسالة عظيمة فأنتم تتحملون مسؤولية الأجيال في أفضل بقاع الأرض بلاد الحرمين فاستغلوا سنوات عملكم بتوجيه الأجيال إلى كل خير واضعين نصب أعينكم التربية ثم التربية ثم التربية ثم التعليم حثوا الأجيال على الإبداع أغرسوا فيهم حب الوطن وولاة أمره وعلمائه شجعوهم على التفكير والإبداع وابحثوا لهم عن كل جديد، فالوطن والتنمية بحاجتهم أعطوهم فرصة للنقد والتفسير، استفيدوا من قدراتهم في فهم التقنية وتوجيهها لخير الوطن أعطوهم فرصة للحركة ومزاولة الأنشطة الاجتماعية التي تخدم الوطن استفيدوا من دروس عبدالله بن عبدالعزيز في البر والتربية لنصل بأبنائنا لتعليم راقٍ مميز ضمن شريعتنا الإسلامية السمحة، لأن بناء العقول أهم من بناء المدارس وتشييد الجامعات.

الرسالة الثانية للآباء والأمهات:

لنستفيد من دروس عبدالله بن عبدالعزيز التربوية بتنشئة أجيالنا وتربيتهم على البر بالقدوة والتوجيه لأننا بحاجة لأبناء يعتنون بآبائهم وأمهاتهم عند كبرهم ومرضهم وبعد موتهم بحاجة لأبناء يعتنون بوطنهم ويحافظون عليه وذلك بالتنشئة الإيمانية والتحصين بمبادئ الإسلام والاستفادة من التوجيهات الربانية في القرآن كوصية لقمان، ومن الأسلوب التربوي الذي نقرأه في قصص إبراهيم ونوح مع أبنائهم وستجنون ثمرة ذلك دنيا وآخرة، لنغرس فيهم حب الصلاة والمحافظة عليها، وحب الخير، لننمي لديهم الشعور بمسؤوليتهم تجاه الوطن فهو بيتهم الكبير وهو حصن الإسلام ومعقله.

الرسالة الثالثة:

لفلذات الأكباد جيل المستقبل وأملنا المنشود بُناة الوطن بإذن الله

أبناؤنا وبناتنا اعلموا أن كل هذه الإنجازات والمشاريع هي لكم أنتم وكل هذه الجامعات ما أقيمت إلا لتستفيدوا منها.

فاستثمروا هذا العطاء وكونوا عند حسن ظن أولياء أموركم ومعلميكم وولاة أمركم ووطنكم استفيدوا من درس والدكم عبدالله بن عبدالعزيز في البر والإيثار اصدقوا مع أنفسكم وراقبوا الله في كل شيء، كونوا رحماء بينكم ابتعدوا عن رفاق السوء احرصوا على بر والديكم واضعين نصب أعينكم أن البر طريق لرضا الله وجنة عرضها السماوات والأرض كما أنه سبب لنجاحكم في الدنيا وأنهم بحاجتكم خاصةً عندما يكبرون ويتعرضون لضغوط الحياة من أجلكم بالإضافة للأمراض المختلفة. واسعوا بجد واجتهاد مستشعرين مسؤوليتكم تجاه أمتكم ووطنكم وأنفسكم متقنين عملكم فإن الله يحب إتقان العمل فاحملوا الراية وامضوا بعزيمة صادقة للتسلح بالعلوم والمعارف اسعوا لفهم التقنية الحديثة وطوروها نريد أن نرى إبداعاتكم واختراعاتكم التي يحتاجها الوطن والمواطن فامضوا على بركة الله لتكون بلادنا المملكة العربية السعودية في القريب وبهمتكم العالية منارة علم يفد إليها الناس من كل مكان للاستفادة منها كما هي الآن منارة دين وهدى لأن وطننا متميز فهو وطن العقيدة والمقدسات والحضارات ومهبط الوحي وواحة الأمن والسلام وموطن المحبة والعطاء والتسامح وطن العلماء وطن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطن القادة المبدعين المتميزين الذين يسعون لتقدمه ورفعته. وهذا يا أبنائي من الاعتراف بجميل وطنكم ومشاريعه وانجازاته الضخمة.

وهكذا نتعاون جمعياً آباء وأمهات وأبناء ومربين بقيادة الوالد القائد خادم الحرمين عبدالله بن عبدالعزيز للبناء والتشييد والإنجاز ويد الله مع الجماعة { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة التوبة.

أسأل الله تعالى كما أسعدتنا يا خادم الحرمين بهذه المنحة الثمينة وبما قدمته لنا من دروس تربوية عظيمة أن يسعدك دنيا وآخرة وأن يجعل التوفيق حليفك بوركت يا خادم الحرمين، وبورك أسلافك، وبورك ولي عهدك وإخوانك وأعوانك.

أسأل الله أن يعينك على الخير ويدلك عليه وأن يلبسك لباس الصحة والعافية ويحفظ لك ذريتك ويرزقك برهم كما أسأله أن يوفق كل من سعى لبناء هذا الصرح الشامخ وكل من أسعده الحدث وأن تتوالى الإنجازات العملاقة فنرى في القريب جامعات مماثلة شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها.

كما أسأله تعالى أن يصلح أبناءنا وبناتنا ويجعلهم دعاة خير مؤثرين في غيرهم أمناء على أمتهم سِلما لمن سالمهم حرباً لمن أساء لوطنهم وأن يعين الآباء والمربين على التربية الجادة والأداء المتميز وفق شريعتنا السمحة وحسب توجهات بلادنا وولاة أمرها وبهذه المناسبة أبارك لمديرة الجامعة هذا الانجاز الكبير ولأعضاء الهيئتين التعليمية والإدارية ولنفسي وبنات وطني ولكل المخلصين والمحبين للوطن

وأدعوه تعالى أن يقر أعيننا بنصر المسلمين وعز المؤمنين وأن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا وعلماءنا وأبناءنا ويجعلهم عوناً للدولة لتحقيق الأمن والاستقرار.

وفي الختام أحمد الذي بنعمته تتم الصالحات وأسأله أن يحسن خاتمتنا في الأمور كلها وأن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى { وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (88) سورة هود.

وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين قدوتنا وإمامنا الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه والحمد لله ربِ العالمين