Al Jazirah NewsPaper Saturday  01/11/2008 G Issue 13183
السبت 03 ذو القعدة 1429   العدد  13183
انفجر ضاحكاً.. وبكى فجأة!
حسين أبو السباع

قال لي صديقي المفلس: يا سلام، لم أدرك أبداً أن الفقر نعمة، إلا هذه الأيام.

قلت له: غريب، مع أنك دائم الشكوى والاقتراض من كل من حولك.

- نعم، لكني أسعى لأن أسدد وأسدد، صح؟

- أنا أول الشاهدين بذلك رغم أن الحال من بعضه.

- بس صدقني إن الفقر نعمة.

- فهّمني، يمكن أكون غبي؟ - لا، ولا غبي ولا حاجة، أفهمك.

- تفضل.

- أرأيت كل العالم من حولنا همّه وشغله الشاغل اليومي هو الأزمة المالية التي أكلت الأخضر واليابس من أموال المودعين في البنوك العالمية.

- طبعاً، ومتابع جيد جداً.

- قل لي لماذا أنت متابع جيد جداً؟ عندك رصيد في هذه البنوك، ولا حتى غيرها؟

لم يستغرق التفكير في هذا السؤال كثيراً، وقلت له: لا.

- فأجابني على الفور، إذن لماذا تتابع الأزمة المالية العالمية؟

- السؤال لم يخطر على بالي، أنا أتابع لأن العالم كله من حولنا يتكلم عن هذه الأزمة، وربما أكون قد تأثرت بهذا الكلام.

- أسمعت ما تقول، العالم كله يتابع، ومالك أنت بالعالم وأنا بالعالم، وأزمته المالية، هل تذكرنا هذا العالم حين كان منتعشاً ودول كثيرة يضربها الفقر والبطالة؟ هل بادر أحد هؤلاء الباكين على الأطلال الآن، ويملأ صراخهم الفضائيات بأي خير؟ يا عزيزي نحن نسمع ونتحدث عن الحروب وعن الأزمات الاقتصادية، ولا ناقة لنا ولا جمل فيها.

- هل لأننا لا نملك المال الكثير الذي نودعه هذه البورصات العالمية، أو البنوك الكبيرة لا نتكلم، لا نفكر، لا نغضب، لا نعمل حساب الغد الذي ستنعكس آثاره علينا؟

- لا، تكلم، فكر، اغضب كما تشاء، اعمل حساب الغد وبعد الغد، لكن، هل تعتقد أننا كأفراد في يدنا أي شيء، هل نملك ما نحزن على فقده، بل وهناك الكثير أبأس حالاً، وأفقر، ويفتشون عن طعامهم في صناديق القمامة.

- أنت يائس وسلبي.

- لا بل أنت الذي تفكر بغير منطق، تفكر بقلبك الذي لو أتيح لهؤلاء الخاسرين الذين ملأت ولولتهم أكله بدلاً من لحم الدجاج لن يتأخروا لحظة، لو فيه مصلحتهم.

- تشبيهك بشع. - أنا أؤكد لك يا عزيزي أن الفقر نعمة، وراحة بال، كنت من قبل حزيناً أني لا أملك مالاً أسير به في الحياة، وكنت أندب حظي العاثر، أعمل ليل نهار، ولا أملك ما يستر سوأتي من شقة على الأقل كما أحب أن أعيش، في الحي الذي أعيش، لم يذكرني ولا غيري أحد من هؤلاء الأغنياء الذين تعد أموالهم بالمليارات، ومحزونون لفقدهم الملايين، فهم لن يجوعوا، ولن يتعروا، ولن يناموا في العراء، ولن يحفروا الآبار لاستخراج الماء، ولن يسكنوا عشش الصفيح، ولن تعنّس بناتهم، ولن تصيبهم البطالة، على الأكثر ربما أحدهم لعدم إيمانه يقدم على الانتحار.

- هل تشمت في هؤلاء الأغنياء البائسين؟

- انفجر ضاحكاً، هاهاهاهاها، ثم بكى فجأة، وقال: أغنياء بائسون، لا طبعاً، ليست شماتة، بل مجرد تفكير في حالي وحالهم.

- كيف ترى صورة العالم من حولك بهذا السواد؟

- أنا لا أرى العالم الآن، أنا فقير، والعالم لم يرني، فكيف أراه؟

- تراه كما نراه جميعاً.

- يا عزيزي أنا فقير، والفقر لأول مرة في حياتي أؤمن أنه نعمة. - ربما!

روائي وصحافي مصري مقيم في الرياض


aboelseba2@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد