بوفاة الدكتور والطبيب العام محمد مناور أبالخيل.. فإننا نودع آخر أجيال عمالقة الأطباء القدامى من المساهمين في تأسيس نواة للطب الحديث وإدخاله بلادنا أمثال فرعون والغوري ونزير وأبو الهاشم وحكمت بايكل والرخاوي والحجار ورسلان ووهيبة وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم والذين قاموا بجهد جبار في خدمة الإنسانية عن طريق علاج الناس من معظم الآفات والأزمات وإراحتهم من عذاب الطب الشعبي المتضمن الكي والأدوية شديدة المرارة بطيئة المفعول والمسببة في الغالب لمضاعفات عظيمة وعاهات مستديمة. والدكتور أبالخيل رحمه الله وأسكنه فسيح جناته بدأ بعيادة متواضعة في شارع الخزان بمدينة الرياض وودع الحياة وهو يعمل بها.. كان معمله التحليلي ومشرطه الجراحي وأشعته الضوئية عبارة عن سماعته اليدوية وأنامله الذهبية.. والتي بخبرة السنين وبتوفيق المولى القدير يعرف بها علة كل مراجع وبواطن الألم والمواجع.. كان بإمكانه أن يشيد المختبرات ويبني المجمعات ويمتص ما في جيوب الناس.. ويحول مهنة الطب الشريفة مثل غيره إلى تجارة رابحة ولكنه بدأ واستمر وظل كما هو طبيب خاص بالمساكين والمحتاجين.. لا يثقل كاهلهم بإجراء التحاليل أو وصفة الأدوية الطبية.. بل كان في بعض الأحايين يقدم لهم العلاج الذي تقدمه له الشركات المصنعة والموجود في عيادته مجانا وبدون أي مقابل.. وحتى أن تسعيرة الكشف ظلت متواضعة وبسيطة مقارنة بغيره من الأطباء.
وغير هذا فقد كان طبيبا بارعا استطاع أن يكسب ثقة الناس ويحل مشاكلهم المرضية بعد أن يعييهم التعب وزيارات المجمعات الطبية الشهيرة بدون فائدة فيجدون في النهاية البلسم الشافي والعلاج الكافي عند أبالخيل.. وأنا كنت واحد منهم فرغم أن مؤسستنا العملاقة الجزيرة قد أمنت لنا العلاج في أرقى مستشفيات العاصمة وأفضلها إلا أنني لا أتردد في الذهاب إليه وعرض حالتي المرضية عليه واستشارته في الكثير من الأمور التوعوية والوقائية.
وقد حزنت كثيرا عندما هاتفني موظف الاستقبال لديه الأخ محمد الحمودي والذي عمل معه لأكثر من 25 سنة ونقل لي نبأ وفاته وواقعة مماته بعد خمسين عاما من العطاء والبذل في خدمة الإنسان والإنسانية.. فرحم الله طبيب المساكين ومخفف آلام المعانين وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان و{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}