لقاء - خالد الدوس
ارتبط اسم الإعلامي المخضرم وعضو مجلس الشورى الأسبق والأكاديمي المتجدد .. الدكتور (بدر كريّم) .. ارتبط اسمه بالحركة التأسيسية للإذاعة السعودية، فقد بدأت علاقته مع القناة المسموعة عام 1376 مذيعاً بالإذاعة .. ولعشقه الأزلي للرياضة في تلك الأيام الخوالي .. نجح في تأسيس وتقديم أول برنامج رياضي عبر الإذاعة السعودية أطلق عليه اسم (برنامج ركن الرياضة) في أوائل حقبة الثمانينيات الهجرية من القرن الفائت ..
- تدرّج في العمل الإذاعي حتى أصبح مديراً عاماً للإذاعة السعودية ثم انتقل وعين مديراً عاماً لوكالة الأنباء السعودية فكلف بمتابعة النشاطات الرسمية للملك فيصل - رحمه الله - في زياراته لدول العالم على مدى (أحد عشر عاما) .. وأصبح إزاء ذلك الصوت الناطق للملك الراحل. وبعد تقاعده الوظيفي واصل تعليمه العالي بطموح وثاب وفكر نير وثقافة سامقة .. حتى نال شهادة الدكتوراه في الإعلام مع مرتبة الشرف الأولى .. من جامعة الإمام محمد بن سعود وهو في العقد السابع من عمره .. فقدم لنا محاضرة مجانية من جامعة (الطموح) أكد عبر هذه المحاضرة الثرية أن العلم لا يرتبط بالسن ولا بالزمن.
- عمل محاضرا في الحرم الجامعي وفي الجامعة ذاتها .. وتحديداً في كلية الدعوة والإعلام ثم رشح عضوا في مجلس الشورى .. كما تبنّى أول اذاعة أهلية تهدف إلى نشر الوعي الإعلامي .. وحاليا أسس مركز (صناعة الإعلام للدراسات والاستشارات بمدينة الرياض) يضم نخبة من الأكادميين والخبراء والمختصين في المجال الإعلامي بمكوناته ومجالاته وقنواته ومنطلقاته.
** (الجزيرة) التقت الإعلامي المخضرم الدكتور (بدر كريّم) في لقاء شمولي .. نقلِّب فيه أوراقه الإعلامية والرياضية والشورية والأكاديمية نتناوله عبر الأحداث التالية ...
البداية موظف صادر!
* دعنا في البداية نسلِّط الأضواء على أبرز محطات حياتكم العملية: الإعلامية، الشورية، والأكاديمية، في أسطر مختصرة؟
- أول عمل لي كان عام 1374هـ موظف صادر ووارد في جوازات جدة، وبعدها التحقت بالمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر (مراقباً للمطبوعات) وعام 1376هـ عيِّنتُ مذيعاً بالإذاعة السعودية، وتدرّجت في العمل الإذاعي حتى صرت مديراً عاماً للإذاعة السعودية، وعندما طلبت الاحالة المبكرة على التقاعد، عملت مديراً عاماً لمؤسسة مروة للعلاقات العامة والإعلان، ثم نائباً لرئيس تحرير صحيفة عكاظ، فمديراً عاماً لوكالة الأنباء السعودية، فعضواً في مجلس الشورى فمؤسساً حالياً لمركز (صناعة الإعلام للدراسات والاستشارات) بمدينة الرياض.
مواجهة التحديات!!
* عايشتم الإعلام المسموع والمرئي في حقبة الثمانينيات الهجرية من القرن الفائت، وكان للمناسبات الرياضية نصيب من هذا الإعلام خلال المباريات النهائية لمسابقتي: كأس الملك، وكأس ولي العهد .. حدثنا عن أبرز ملامح تلك الحقبة الإعلامية.
- تميّزت بالبساطة، كل شيء كان بسيطاً ولكنه مرهق، وكل ما يطمح إليه الإذاعي السعودي الشاب كان يفوق حجمه تأهيلاً (شهادة دراسية) إلا فيما ندر، وتدريباً وتقنية، وهنا تكمن الصعوبات والتحديات ولم يكن هناك من سبيل إلى مواجهتها إلا بالقراءة، والاطلاع على تجارب السابقين من الإعلاميين. وقد شهد ملعب الصائغ (الرياض) وملعب الصبان (جدة) وساحة إسلام (مكة) البدايات الأولى لظهور إعلام رياضي سعودي رغم محدودية عدد الأندية الرياضية، وفي مرحلة لاحقة ظهر إعلاميون رياضيون سعوديون: تركي بن عبد الله السديري وهاشم عبده هاشم، وخالد بن حمد المالك، وعلى أيديهم ظهرت الصفحات الخاصة بالرياضة وملاحق صحفية، رياضية ثم أصبحوا فيما بعد قامة إعلامية سعودية، تبوأت موقعاً متقدماً على خريطة الإعلام السعودي.
نشر الوعي الرياضي
* حين انقتلت الشؤون الرياضية من وزارة المعارف إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مطلع الثمانينيات، وولادة جهاز (رعاية الشباب) فرضت هذه المرحلة على الإذاعة تقديم خدمات متطورة للحركة الرياضية، وكان هاجس الإعلامي المعروف بدر كريم مقدم برنامج (ركن الرياضة) بالإذاعة هو: نقل بعض مباريات كرة القدم على الهواء مباشرة، كيف كنت تواجه حجم المتاعب كي تحقق هذا الأمل؟
- لم أكن أول من قدم برنامجاً إذاعياً رياضياً في الإذاعة السعودية، فقد سبقني إليه الأستاذان: عبد الله منيعي، وبكر يونس - رحمهما الله - ، وحين قدمتُ برنامج (ركن الرياضة) حرصت على أن يتضمن لقطات مسجلة لبعض المباريات الرياضية، ونتائج بعض مباريات كرة القدم التي كانت تقام في بعض مناطق المملكة مثل: القصيم، والمدينة المنورة، حيث كان الأستاذ عبد الرحمن بن محمد عليق (المسؤول حالياً عن مركز الملك فهد الثقافي بمدينة الرياض) يزوِّد البرنامج بنتائج بعض مباريات كرة القدم في: عنيزة، وبريدة، وكذلك كان الأستاذ (مالك ناصر درار) بالنسبة للمدينة المنورة، وبذلك حقق برنامج (ركن الرياضة) حضوراً في تلك المنطقة رغم محدودية الإرسال الإذاعي حينذاك، وأسهم البرنامج في نشر الوعي الرياضي.
أما المتاعب والصعوبات فتركزت في الجانب الفني (التقني) وتحمل النصيب الأوفي منها: الفنيون في وزارة المواصلات، (وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات حالياً) ونظراؤهم في الاذاعة، وكان النقل المباشر للمباريات الرياضية يتم بآليات بسيطة، فشبكة الهاتف آنذاك لم تكن على السعة التي هي عليها الآن، وأتذكر انه عندما كانت الإذاعة تقوم بالنقل المباشر من ملعب الصبان (بعد عصر كل يوم جمعة) يضطر القسم الفني في وزارة المواصلات إلى فصل الحرارة عن أحد خطوط هاتف أحد المشتركين المجاورين لملعب الصبان، كي تتمكن الإذاعة من استخدامه في النقل المباشر، وبعد الانتهاء منه تعود إليه احرارة، وآه يا زمن!!
رمضان وقدسي فرسا الرهان
* كانت أول مباراة قمت بوصفها عبر الإذاعة السعودية، المباراة الختامية بين منتخب مكة ومنتخب الطائف على كأس سمو ولي العهد، وانتهت بـ 5 - 1 لصالح منتخب مكة في ملعب ساحة إسلام بمكة المكرمة أوائل الثمانينيات .. حدثنا عن هذه التجربة، ومن هو أول من علّق على المباراة على الهواء هل هو: زاهد قدسي، أم بدر كريم، أم محمد رمضان؟.
- لا أتذكر انني قمت بوصف تلك المباراة عبر الاذاعة السعودية، لكنني أعي جيداً أنه حينما رغب التلفاز السعودي -وكان ذلك في بداية ظهوره باللونين الابيض والأسود - بث أول مباراة كرة قدم على الهواء مباشرة (كانت بين الاتحاد من جدة والوحدة من مكة المكرمة) على ملعب الصبان في جدة، في دوري كأس الملك فيصل، أن كُلفتُ بالتعليق عليها، وكان الأستاذ عباس فائق غزاوي - رحمه الله - مسؤولاً عن الإذاعة والتلفاز، حاضراً تلك المباراة فطلب مني عدم الإكثار من الكلام، وأن أترك للمشاهد متابعة الصورة، فقد كنت يومها أعتمد في أدائي على الكلام.
أما الأخوان الأستاذان: زاهد إبراهيم قدسي - رحمه الله - ومحمد عبد الرحمن رمضان - متعه الله بالصحة -، فقد كانا فرسي رهان في بدايات التعليق الرياضي، وكان لكل منهما اسلوبه المميز، وطريقة أدائه المميزة، ولذلك حققا الكثير من النجاح وارتبط بهما جمهور الرياضة والرياضيون، وكان الأستاذ زاهد قدسي اول من علّق على مباراة في الإذاعة على الهواء مباشرة، وما أتذكره الآن - وأرجو ألا أكون مخطئاً - أن الأستاذ محمد رمضان أول من قام بإذاعة أول مباراة في الاذاعة على الهواء مباشرة، مذيعاً للمباراة.
11 عاماً مع الفيصل
* رأستم الوفود الإعلامية التي تابعت زيارات الملك فيصل - رحمه الله - في إطار دعوة التضامن الإسلامي .. حدثنا عن أبرز ملامح تلك الزيارات، وبماذا خرجتم من هذه التجربة الثرية في حياتكم الإعلامية.
- بعض هذه الزيارات تحدثت عنها إعلامياً في الجزء الأول من كتابي (أتذكر) الذي رويت فيه سيرتي الذاتية، وبعضها الآخر أعكف على كتابته الآن، من واقع تكليفي بمتابعة النشاطات الرسمية للملك فيصل - رحمه الله - على مدى أحد عشر عاماً، بدأتْ عند مبايعته (1384هـ) وانتهت عند استشهاده (1394هـ)، حيث اكتسبتُ منه كثيراً من الدروس المستفادة إعلامياً، وأثرت تجربتي الإعلامية الإذاعية، وأضافت إليها أبعاداً لم تكن متاحة لي من قبل.
لقد بدأ الراحل دعوة التضامن الإسلامي، في فضاء الإعلام الواسع، واستمر فيه حتى سقطت كل الرهانات على فشل الدعوة، رغم أنه واجه إعلاماً شرساً قادته وسائل إعلام الرئيس جمال عبدالناصر. وإذا علم المرء أن الإعلام السعودي وقتها، كان يعاني من محدودية قدراته البشرية وضعف إمكاناته التقنية المتطورة بل وانعدامها، يدرك أي جهد بذله الإعلام السعودي لتصحيح صورة دعوة التضامن الإسلامي، من خلال مواكبته لزيارات الملك فيصل في إطار هذه الدعوة، ولم أسمع حتى الآن هجوماً إعلامياً شرساً شن على قيمة إسلامية عظيمة، كما شنه إعلام عبد الناصر على دعوة التضامن الإسلامي، التي نالت إجماعاً إسلامياً وعربياً.
واجه الملك فيصل تلك الشراسة بكلمات تعبّر عن المستقبل المنشود، والنهوض بمسؤولية الدفاع عن الإسلام، والحق والعروبة والتعاون وباختصار كل القيم المرغوبة التي تسعى إليها الإنسانية جمعياء. ومن خلال تلك المواجهة تعلمت من الملك فيصل أشياء كثيرة وعايشت معه أحداثاً إعلامية بعضها مبكٍ وبعضها الآخر مضحك، والمبكي اكتشفه المواطن العربي خلال حرب إسرائيل على ثلاث دول عربية عام 1967م، وحلول النكبة، أما المضحك فقد كان عند (أخوك في العروبة - أحمد سعيد) نقلته آنذاك موجات إذاعة (صوت العرب من القاهرة) وخصصت له برامج مضادة: أعداء الله، وحقائق وأكاذيب.
سنوات مع فيصل!!
* ربطتكم بجلالة الملك فيصل - رحمه الله - مواقف مختلفة .. حدثنا عن أبرز هذه المواقف التي لا تزال راسخة في ذهنك.
- تلك كانت كثيرة، ولا استطيع التحدث عنها بالتفصيل في هذا الحيز المكاني، وسأحرص - إن شاء الله - على أن تظهر في كتابي المزمع صدروه (سنوات مع فيصل)، وإجمالاً يمكن القول: إن هذه المواقف لم يصغها رجل مصنوع من لعبة، ولا مخرج يصرخ محتجاً: انظروا إلى هذا البطل، بل وفر الملك فيصل للناس فرصة مشاهدة تفاصيل حياتهم، وأطلعهم على تحركاته السياسية، والدينية والاجتماعية والاقتصادية، مستوحياً كل ذلك من منهج مجتمع لم يغرق في مفارقة مادية، ولم تنهشه ساعات العبث ولعلِّي لا أنسى اليوم الذي شكا فيه الملك فيصل للمواطنين الإعلام السعودي، وبرر أسباب الشكوى، وتلك لها قصة رويتها من قبل ومن قرأها أدرك بُعد نظرته للإعلام.
تواضع الكبار
* بعض اللاعبين السابقين تحدثوا عبر (الجزيرة) عن ذكرياتهم الجميلة مع بعض المواقف مع الملك فيصل - رحمه الله - في المباريات النهائية لكأس الملك التي حضرها الملك الراحل ومنهم: حارس الاتحاد (تركي بافرط) الذي وصفه الملك فيصل بأنه (خط ماجينو المكهرب) ولاعب النصر سعود أبو حيدر الذي لقبه الملك فيصل باللاعب (الشايب) للون شعره الأبيض، ولاعب الاتحاد سعيد غراب الذي أسماه (العقاب) .. حدثنا عن أبرز المواقف الرياضية للملك الراحل.
- ما أعرفه عن الملك فيصل انه لم يكن منتمنياً لأي فريق رياضي، بمعنى انه لم يكن متعصباً أو منحازا لناد دون آخرن أو يفضل نادياً على آخر، أو يشجع لاعباً ولا يشجع آخر .. كان مع الجميع، وتجلى ذلك في المناسبات الرياضية التي كان يرعاها (دوري الملك) وليست لي مواقف رياضية مع الملك فيصل، بل مواقف إعلامية بوصفي مذيعاً كلف بمتابعة المناسبات الرسمية التي كان يحضرها في الداخل والخارج، ومن ثم بوصفي رئيساً للوفود الإعلامية الرسمية في زياراته للدول العربية، والإسلامية، والصديقة.
نشر الوعي
* بدر كريم هو أول من تقدم إلى وزارة الإعلام بطلب إنشاء اذاعة خاصة في مدينة الرياض .. ما الدافع وراء تبني مثل هذه الأفكار؟
- بيتي الأول، وموطني الأول وزوجتي الأولى وعشقي الأول كان (الإذاعة المسموعة) .. ففي أفنيتها أمضيت جل عمري (أكثر من ربع قرن) لقد كانت النافذة التي أطللت من خلالها على الناس، تعرفت عليهم وتعرفوا عليّ، ولن أكون جاحداً لها، وكيف بي وقد اختلطت في دمي؟ أفلا أكون شكوراًَ لها؟ من هنا وبعد ان خلدت إلى الراحة (التقاعد) كان عليّ ان أعود إليها، فأثناء اختياري عضواً في مجلس الشورى (الدورة الثالثة) جاء في أحد التقارير السنوية لوزارة الإعلام، أنها تزمع وضع استراتيجية لإنشاء اذاعات تجارية خاصة، تتيح من خلالها للقطاع الخاص فرصة المشاركة فيها مقابل رسوم لزيادة الموارد المالية للوزارة، فكان ان تقدمت عام 1424هـ بطلب إنشاء هذه الإذاعة، على ان تكون مدينة الرياض موقعاً ومكاناً لها، ووضعت تصوراً لهذه الإذاعة الخاصة بحيث تعتمد على فنيين وإداريين سعوديين، وأصوات اذاعية سعودية شابة من النوعين (الذكور والإناث) تقدم البرامج، وتقرأ الأخبار وتشارك في التنمية الشاملة لمجتمعها، لكن ذلك لا يمنع من الاستفادة من الخبرات أياً كانت جنسيتها، ومضت السنون والموضوع (تحت الدراسة) وللوزارة كل الحق في هذا فأي نقلة نوعية إعلامية تحتاج فعلاً لدراسة جادة ومعمقة، وامل ان تنتهي الدراسة بعد مضي هذه السنوات الطوال كي تبصر الإذاعة النور، وبالمناسبة لم أكن الوحيد الذي تقدم بهذا الطلب ولكنني كنت الأول ثم أتت طلبات من آخرين كما علمت فيما بعد.
تنطلق هذه الإذاعة من مشاعر وطنية، في مواجهة هجمات شرسة من قنوات إعلامية كثيرة، نجحت - للأسف - لأنها (عرفت من أين تؤكل الكتف) وهدفي من هذه الإذاعة الخاصة ان تكون أداة ووسيلة لنشر مشاهد إعلامية سعودية تواجه قنوات إعلامية غرقت حتى أذنيها في تبنِّي نعرات طائفية وقبلية، وفتن ايقظتها بعد ان كانت نائمة، وترفيه هابط وتافه وفاسد، وليس معنى هذا استبعاد الترفيه من وظائف هذه الإذاعة ولكنه ترفيه يسمو بالنفس الإنسانية. الشيء الآخر ان هناك عشرات الإذاعات الخاصة في مجتمعات عربية، ناهيك عن مجتمعات غربية، أدت وتؤدي دوراً مهماً في نشر الوعي فلمَ لا يكون للقطاع السعودي الخاص دور في هذا المجال؟
الصراع الاجتماعي
* نحن في حقبة العولمة الإعلامية .. كيف ترى تأثير وسائل الاتصال الجماهيري المختلفة، والفضائيات المتعددة على ثقافة المجتمع بشكل عام؟
- إذا كان المقصود ثقافة المجتمع السعودي، فلا شك ان هناك تأثيراً سلبياً وآخر إيجابياً وهذا ما أثبتته الدراسات العلمية على مستوى المجتمعات العربية، فالتطور الإعلامي العالمي الذي شهدته مختلف ميادين العمل الإعلامي لم يكن بعضه متوافقاً مع تطور مسؤولية الأداء الإعلامي العربي، إزاء قضايا أساسية للمواطن مثل: حرية الرأي والتعبير والعدالة والتنمية وحتى الهامش المتاح الآن من هذه القضايا أصبح يقدم بروح عدائية تفتيتية، ويؤجج عوامل الصراع الاجتماعي والسياسي والقبلي، ومن إشكاليات الإعلام العربي انه إعلام رسمي يعبر عن سياسات الحكومات ومصالحها، ومن هنا لم يكن مؤثراً تأثيراً ايجابياً حتى أصابه الوهن رغم ما يزخر به عالم اليوم من تقنيات تجعل الإعلامي العربي أكثر تأثيراً في مجتمعه، وتوظيف تقنية البث الفضائي في شبكات بعيدة عن القيود الرسمية.
العلم ضرورة إنسانية
* حصلتم على شهادة الدكتوراه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى من كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وذلك بعد سن التقاعد .. ما الدافع الذي جعلك تهرول في مضمار العلم والمعرفة، رغم ما وصلت إليه من مواقع مرموقة (وظيفياً)؟.
- لا كبير على العلم، وتقدم العمر لا يعني نهاية الإنسان، والتقاعد ليس مدعاة للاستسلام، وقد سبقني في مجال تطوير القدرات متقاعدون غيري، اقتديت بهم، وسرت على منهاجهم ومن هنا أفهم الهرولة العلمية والمعرفية على أنها تنفيذ لاستحقاقات ذاتية، وليست طريقاً للحصول على موقع متقدم وظيفياً، بل ضرورة إنسانية لا تخسر صدقيتها ولا دورها العلمي والمعرفي.
السمو الرياضي
* الإعلام رسالة سامية وقيم نبيلة .. كيف ترى بعض ما ينشر عبر بعض الصحف الرياضية من إساءات وممارسات خطيرة، بصورة غير حضارية؟.
- لا يجوز هذا بل لا ينبغي ان يكون، وعلى العقلاء من الصحفيين الرياضيين السعوديين ان يضعوا حداً لهذه التجاوزات، التي بلغت من الخطورة حداً يهدد الوحدة الوطنية الرياضية، وأحمد الله ان هناك عقلاء فعلاً يقفون ضد هذا التوجه. من قال ان الرياضة: إساءات واعتداءات؟ ومن قال: ان الرياضة تهكم؟ ومن قال: ان أمر الرياضة لا يستقيم في المجتمع إلا من خلال ممارسات بغيضة عفا عليها الزمن، ينبغي ان تكون مستبعدة تماماً من البيئة الرياضية - ما أعرفه ان الرياضة تربية، وأخلاق محمودة، ووطن يتسع للجميع ومجتمع يستوعب كل التباينات الرياضية، بعيداً عن الغوغائية والتهريج.
إعلام تخصصي
* أسست مركزاً للدراسات والاستشارات الإعلامية بمدينة الرياض، يضم هيئة استشارية من نخبة من أساتذة أقسام الإعلام في بعض الجامعات السعودية، هل هناك من حلول ملائمة لصيانة وصياغة إعلام رياضي سعودي يرتقي بالطرح الهادف؟
- ولمَ لا فمراكز الدراسات والاستشارات الإعلامية ذات الجدوى هي المكان الطبيعي لصيانة وصياغة إعلام مرئي، أو مسموع أو مقروء وبالتالي إعلام رياضي (إعلام تخصصي) وهو إعلام له أسسه وآلياته ومنهجيته في البحث والتقصي. لا يمكن القبول - في هذا العصر - باستنتاجات غير علمية، أو تشخيص أي مشكلة بدون استخدام البحث العلمي، أو التطور في منأى عن الأهداف العلمية.
ان المأزق الحقيقي الذي يواجهه الإعلام الرياضي السعودي، يجعله يكاد يخسر صدقيته ودوره يوماً بعد آخر باستثناءات محدودة - فلم يحافظ على الوهج الذي اتسم به في بداياته، حينما جسد إرهاصات مرحلة الظهور، ونفذ برامج وسياسات بناء الرياضة السعودية.
* في دراسة بحثية مختصة أظهرت نتائجها العلمية أن 50% من الصحفيين لا يحملون الشهادة الجامعية، ولم يتلقوا دورات علمية إعلامية في الشأن الرياضي.. ونحن في حقبة العولمة الرياضية هل ترى ضرورة اعتماد الشهادة الجامعية أولاً، لمن يزاول العمل الصحفي كإحدى اللوائح التنظيمية لنظام المؤسسات الصحفية، ومواكبة لعصر العلم والمعرفة؟
- ليس كل من حمل شهادة جامعية مؤهلاً للتعامل مع الإعلام والإعلام الرياضي تحديداً، الإعلام ليس مجرد شهادة جامعية فحسب، أو حتى شهادة ماجستير أو دكتوراه فحسب، الإعلام تخصص، وموهبة، واستعداد، فحينما ظهر في الساحة الرياضية إعلاميون سعوديون بارزون أمثال: تركي بن عبدالله السديري، وهاشم عبده هاشم، وخالد بن حمد المالك، لم يكونوا خريجي أقسام أو كليات إعلام، ولم يحوزوا على شهادة إعلامية متخصصة، ولكنهم بنوا ثقافتهم الرياضية على الملاحظة والمتابعة والقراءة والاحتكاك بالوسط الرياضي ويتم عادة بناء الإعلامي الرياضي من خلال عدة قنوات، وليس ثمة شك أن وجود مواد في نظام هيئة الصحفيين السعوديين، من شأنها حماية الوسط الرياضي من الدخلاء عليه، أو المبتزين له، أو الملوثين لأجوائه النقية.
الأمل في وزارة الثقافة!
* تحمل الأنشطة الثقافية والاجتماعية في الأندية الرياضية السعودية، أهدافاً وقيما نبيلة للمجتمع بيد أن هناك تجاهلاً أو تهميشاً لدور الثقافة في هذه الأندية .. كيف تنظرون إلى ذلك؟
- أمر مؤسف للغاية، فلكل نشاط ثقافة ولكل صناعة ثقافة ولكل زراعة ثقافة. وإذا انتفت الثقافة من الجانب الرياضي انتفى الهدف منها ومن الرياضة .. من الخطأ تكميم أفواه الناطقين بالثقافة الرياضية أو لا مساومة على حريتها، أو تهميشها، أو تجاهلها، ومن العيب استيراد ثقافة بديلة. والأمل في وزارة الثقافة والإعلام بعد ان انضوت الثقافة تحت أجنحتها، ان تنظم الجانب الثقافي للأندية الرياضية، وبخاصة بعد انتشار البث التلفازي المحلي والفضائي، وتنوع اشكال تواصله وفوريته، في إطار التعبير عن حاجات الرياضيين والجماهير الرياضية على القدرة على التأثير في السياسات الرياضية.
الثقافة تبني العقول!
* اهتمام وتركيز الأندية الرياضية على النشاط الرياضي فحسب، هل ترك انعكاساً سلبياً على فكر وسلوك وثقافة اللاعب واختراقها في ظل تهميش الأنشطة الثقافية والاجتماعية عكس ما يحصل في الأندية الأوروبية مثلا، من تفعيل هذه الأنشطة وتسخيرها لتدعيم فكر وسلوك اللاعب الرياضي احترافياً؟
- التوازن مطلوب الرياضة تبني الأجسام والثقافة تبني العقول والتنمية الثقافية للإنسان الرياضي تجعله قادراً على التعامل مع النقد بروح رياضية ورأي الشارع الرياضي يكشف واقع الشأن الرياضين وقد لا يكون كله سلبياً ولكنه لا يعدم الغيجابية في جانب من جوانبه، ولا يمكن ان تتخلى الثقافة الرياضية عن دورها المهم في بناء الإنسان الرياضي بل المجتمع بأسره قاطبة. أكرر القول: ان وزارة الثقافة والإعلام تتحمل القسط الأكبر من حيث رعاية وتأصيل الثقافة الرياضية كما هو شأنها مع الثقافة الأدبية والفكرية، لكنه من الصعب ان تتحمل الوزارة المسؤولية كلها كاملة (يد واحدة لا تصفق) بل ينبغي ان تشاركها كل الأجهزة والمؤسسات الحكومية والخاصة فمسؤوليتها لا تقل عن مسؤولية وزارة الثقافة والإعلام والتكامل في السياسات أمر مطلوب مهم للغاية.
أعود إلى قضية احتراف اللاعبين، التي أصبحت - كما أرى - سوقا رائجة من يدفع أكثر يحصل على لاعب ما، لقد اصبح الصوت الأعلى لثقافة الأقدام لا ثقافة الأقلام من يلتفط لاعباً من ناد آخر مقابل ملايين من الريالات (أصبحت العملة السائدة الآن اليورو) هو الكاسب الأول والأخير ولا أدري على اي معايير استندت تلك الأندية في استقطاب لاعب ما ان كان الفوز فللفوز عوامل كثيرة وان كان للتمظهر ف(ما هكذا يا سعد تورد الإبل).
غياب العلم الرياضي
* الرياضة أصبحت اليوم لغة مجتمعات متقدمة، والرياضة علم مستقبل مرصود في بطون الكتب. غير ان واقعنا الرياضي الحالي يؤكد ان العلم الرياضي الأكاديمي مغيب عن منظومتنا الرياضية .. لماذا؟
- ليس الواقع الرياضي السعودي سيئاً كله. فيه الوجه المشرق وفيه الوجه المعتم، والتمييز بينهما ينبثق من الوعي ولا تنسى ان الإعلام السعودي لم يخض بعد تجربة الإعلام المتخصص وما تراه على الساحة الإعلامية الآن من قدرات إعلامية تخصصية، هي مبنية على التجارب والخبرات وهذه وحدها لا تكفي وان كانت مهمة.
وكما ان الإعلام السعودي يندر فيه وجود الإعلامي المتخصص أمنياً واقتصادياً وثقافياً كذلك يندر فيه وجود الإعلامي المتخصص رياضيا تسألني من المسؤول؟ أقولك أولاً كليات وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية وثانياً: المؤسسات الإعلامية السعودية الرسمية والخاصة وثالثا وأخيرا المستثمرون السعوديون الذين لم يؤمنوا بعد بجدوى الاستثمار الإعلامي والمتطلعون إلى الربح الفوري. إذا القضية قضية مجتمع قضية منظومة رياضية إعلامية مالية ربحية يصعب التحكم فيها في أجواء الانفلات الإعلامي الرياضي الحالي أو بعضه على الأقل وللإنصاف.
يتبع