المتتبع لسوق العقار في المملكة والراصد لحركتها، رصدا تاريخيا ًومهنياً يلحظ أن هذه السوق مرت بفترات ركود كثيرة ابتداءً من عام 1963م ومروراً بعام 1975م وانتهاءً بعام 1991م، والحقب التاريخية التي تحكي فترات الركود والكساد هي أكثر وأكبر من أن تُحصر في مساحة هذا المقال، اعني أن سوق العقار مثلها مثل أية سوق في عالم المال والأعمال لها مد وجزر، إقبال وإدبار، ركود ونماء، إلا أن أساطين العقار والعارفين فيه ورواده لا يتململون من فترات الركود والبطء في الحركة لأنهم يدركون أنه يوما سيرتفع العقار وتتغير موازين السوق وتنشط معادلة الطلب، بل إن بعضهم يعتبر نزول السوق وركودها فرصة سانحة للقيام بعمليات شراء استراتيجية يعتبرها العارفون واللاعبون بسوق العقار هي من الحكمة والصواب التي يجب أن تُنتهج، يقول أحد أساطين العقار إن لكل تجارة أب روحي (عراب)، والأب الروحي لكل تجارة هو العقار، فهو السيد المطاع وهو الابن البار وهو العمل الذي لا يتزعزع بشكل خطير ومباشر كالأسواق الأخرى، مثل الأسهم أو الذهب أو أي نشاط آخر، بل قال لي أحد التجار الكبار في المملكة إنه لا يخلو تاجر مهما كانت تجارته من أصول عقارية إلا من رحم ربي، بل إن الأصل العقاري هو الأصل في استقرار تجارته وهو الورقة الرابحة في مواجهة الأزمات والتقلبات المالية والاقتصادية.
ذكر لي أحدهم وهو من الراصدين لتاريخ سوق العقار أن المملكة مرت بهزات كثيرة في سوقها العقارية حتى أن بعضهم باع كل ما يملك في أحد تلك الهزات ليأتي إليه بعض التجار ويشتري منه جميع ما يملك بحوالي مائة ألف ريال ليبيع تلك الأراضي بعد خمس سنوات من هذا التاريخ بخمسين مليون ريال ليتضاعف المبلغ مئات المرات، بل إن العارفين في سوق العقار يتحدثون عن شواهد كثيرة، منها (طريق الملك فهد في الرياض) فقد كان سعر المتر في سنة 1990م حوالي (2000ريال)، والآن تجاوز (35 ألف ريال) في فترة لا تزيد على 18 سنة.
فأقول هنا إن العقار هو السوق الآمن والملاذ الرابح - بإذن الله - على الرغم من كل التقلبات والأزمات والهزات المالية.
أعود هنا لعنوان المقال وأذكر أن الأزمة المالية العالمية التي تتسارع تداعياتها هذه الأيام على كل القطاعات الاقتصادية، إلا أني سأحصر حديثي بأثرها فقط على السوق العقارية في المملكة، وسأستشهد بآراء بعض العقاريين الذين كان لي حديث مطول معهم، يقول أحدهم: إنه لا أثر لتلك الأزمة على السوق العقارية لأننا في بلد هو بمنأى عن تلك الأحداث، فهو محصن من تلك الهزات بل إن الأزمة ستنعكس إيجابا على تلك السوق، من خلال تراجع أسعار الحديد ومواد البناء وهذا بدوره سيعطي المقاولين سرعة بناء الوحدات السكنية، ما يؤدي إلى زيادة عدد الوحدات وبالتالي زيادة وتشجيع الراغبين في شراء الأراضي لبناء الوحدات السكنية عليها وهذا بدوره يزيد الإقبال على تلك الأراضي، ما يزيد من عملية الطلب التي سترفع أسعار القطع للأراضي وهذا ما يحدث الآن، كذلك ذكر أن المملكة هي من أقل الدول للاستثمار الأجنبي وبالتالي فإن نسبة تأثر ذلك محدودة لتؤدي إلى استقرار العقار، ويقول الآخر في مداخلة أخرى (إن سوق العقار في المملكة مرتبطة بعدة عوامل إيجاباً أو سلبا، أحد أهم تلك العوامل هو سعر برميل البترول والتناسب هنا طردي فمتى ما ارتفع سعر البترول ارتفع العقار والعكس صحيح، وكذلك ذكر عامل الإنفاق الحكومي، فمتي ما قامت الدول بضخ الأموال وبناء المشروعات فإن ذلك بدوره يسهم في زيادة واستقرار سعر العقار والعكس هنا ثابت ومؤكد، كذلك يذكر ارتباط سوق العقار باستمرار الأزمة المالية العالمية فمتى ما كان الزمن طويلا فإن ذلك مدعاة إلى تأثر سوق العقار سلبا ولا شك، وأيضا ربط إقراض البنوك للأشخاص بشكل منضبط هو أحد أهم الدعائم لاستقرار سوق العقار)، وقال أحدهم وهو متفائلاً جداً (إن سوق العقار آمن ومنتعش وأن الإجراءات الحكومية التي تتبناها الدولة في الوقت الراهن في نظام الرهن العقاري ودعم صندوق الاستثمار والادخار ومقارنة الأسعار بأسعار الدول المجاورة للقطع السكنية والتجارية يجعل من السوق سوقا واعدة ومطمئنة)، كما يقول أحد التجار الكبار في هذا المجال (إن أثر الأزمة محدود جداً على سوق المملكة وذلك حسب الاحتياجات المنشودة من قبل مؤسسة النقد الخاصة باحتياطات البنوك ورفع درجة المخاطرة وكذلك سعر الفائدة، وقلة الاستثمار الخارجية مع دول تضررت من تلك الأزمة)، كما ذكر لي أحدهم (أن سوق العقار سوق واعدة بناءً على الاحتياج الحقيقي للإسكان والوحدات السكنية للشباب والمقبلين على الزواج، حيث تشير الإحصاءات إلى أن الفئة العمرية التي هي بين (15-25) وهم يمثلون (60%) من المجتمع السعودي وهذا بدوره يتطلب بناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية، وبالتالي فإن ذلك يزيد من الطلب على تلك القطع والمخططات السكنية وهذا يعني زيادة ونموا متسارعا في سوق العقار السعودية)، آخرهم ذكر لي أن سوق العقار لا بد ان تتأثر مثلها مثل أية سوق ولكن تأثراً بطيئاً ونسبياً وان كانت المقومات والمعطيات تشير إلى عكس ذلك.
Kmkfax2197005@hotmail.com