بعض الموظفين يعتقد أن الوظيفة التي يشغلها ملكاً له يحق له أن يطلب من المراجع إحضار مزيد من المستندات غير الضرورية، ويحق له أن يستمتع بتعقيد كل بسيط وسهل، لأجل دفع المراجع للبحث عن واسطة تزيد من دائرة العلاقات الاجتماعية لذلك الموظف في أكثر من جهة حكومية. السلوك غير السوي لهذا النوع من الموظفين قد يدفع بمراجع للسفر والعودة إلى المدينة التي يقيم فيها أكثر من مرة؛ لإحضار مستند أو ورقة غير ضرورية أو حتى يدفع رجلاً مسناً بالعودة مرات ومرات بسبب طلبات يمكن الاستغناء عنها بمكالمة هاتفية لقسم آخر!
المشكلة أن الكثير من المراجعين لا يعرفون حقوقهم، وأن الموظف إنما وضعته الدولة لخدمتهم وتسهيل إجراءاتهم، وولاة الأمر في هذه البلاد يؤكدون باستمرار على تسهيل أمور المراجعين؛ ما يستدعي من الجهات الحكومية ذات العلاقة بتقديم الخدمة تخصيص مكاتب لخدمتهم، والتسهيل عليهم، ومحاسبة المقصرين منهم، ومتابعة أدائهم باستمرار، وإجراء المقابلات الشخصية لمن سيتولون تقديم الخدمة ومن ثم تقييمهم من خلال استمارات استبيان تُعبّأ من قِبل المراجعين لمعرفة جوانب الخلل والقصور.
مشكلة الكثير منا أنهم لا يعرفون حقوقهم التي كفلها لهم النظام وأكد عليها ولاة الأمر في أكثر من مناسبة، سواء كانت أجهزة حكومية أو خاصة، فقد تستغل بعض المؤسسات والبنوك عدم وضوح بعض الإجراءات في استغلال المواطن ومنها على سبيل المثال قصة حدثت لأحدهم الذي ابتلع جهاز الصراف الآلي في البنك الذي يوجد فيه حسابه بطاقة الصراف الآلي رغم أنه لم يمضِ على إصدارها سوى أشهر قليلة، وعندما راجع البنك لإصدار بطاقة بديلة اعترف البنك بأن هناك مشكلة في تلك الأجهزة، وأصدروا له بطاقة بديلة فورية برسوم إصدار جديدة، وعليه أن ينتظر لتصله بعد أسبوعين على البريد مجاناً، وقد قدّم اعتراضاً للبنك ولم يجد أي اهتمام، المهم أنهم حصلوا على مبلغ الإصدار الذي يصل إلى (70) ريالاً! والسؤال: كم يا ترى عدد من ابتلعت مكائن الصراف الآلي بطاقاتهم في ذلك اليوم؟ وما عليك إلا أن تضربها في الرقم (70).. بأي حق يحصل البنك على هذه الرسوم إذا كان تاريخ البطاقة لم ينتهِ بعد، وإذا كان المواطن لم يبلغ عن ضياع بطاقته أليس حصولهم على هذا المبلغ بغير وجه حق؟ وأين مؤسسة النقد من هذا ومن طريقة بعض البنوك المحلية في تعاملها مع المقترضين، حيث يظل المواطن يدفع أقساطاً شهرية لقرض حصل عليه من البنك لمدة قد تصل إلى ست سنوات، وعندما لا يتبق إلا سنتان مثلاً من مدة القرض، ويريد تسديد كامل المبلغ يلاحظ أن نسبة استفادته من الخصم لا تتجاوز 2% فقط من القرض بعد أن حصل البنك على النسبة الكبيرة من الأرباح في السنوات الثلاث الأولى بدلاً من تقسيمها بالتساوي على كامل المدة؟ إن البنوك تعلم أن المواطن سيقع في هذا الفخ؛ لأننا للأسف لا ندقق في العقود ولا نسأل (إلا بعد أن تقع الفاس في الرأس)؛ لأن البنك لم يوضح له الأمر ولم يشرح له الطريقة، إلا بعد أن يستلم المبلغ ولا يستطيع إعادته، والحال أيضا ينطبق على شراء السيارات عن طريق التأجير المنتهي بالتمليك عند رغبة الشخص في التسديد، أو عندما تتعرض السيارة لحادث مروري.. إن جهلنا بحقوقنا وعدم اطلاعنا على الأنظمة يدفع تلك المؤسسات والشركات إلى الاستمرار في استغلال المواطنين بسبب جهل الكثير لحقوقهم، فلو تأخرت يوماً واحداً عن تسديد فاتورة هاتفك لأوقفت الشركة الخدمة عنك ومع ذلك قد تتوقف خدمة (دي إس إل) عنك ساعات وأياماً ولا تعوضك الشركة بقرش واحد؛ لأنها تعرف أنه لا يوجد قنوات تستطيع وبكل سهولة أن تحصل على حقك من خلالها وتقاضي الشركة.. وهي تعلم أنك لن توكل محامياً لأجل تعويض عن خسارة مائة أو مائتي ريال، ولو أدخلت هذه الخدمة إلى بيتك فإنك ستجد كل الترحيب من الموظف، وسيتم إيصال الخدمة لك فوراً، وعندما تريد إلغاء الخدمة يطلب منك الموظف مراجعة مكتب الاشتراكات لتعبئة نموذج الإلغاء، هذا إضافة إلى اضطرارك إلى دفع رسوم جديدة عند رغبتك إعادة الخدمة مرة أخرى حتى لو لم يمضِ على إلغاء الخدمة ساعات!
أليس من حق المشترك أن يحصل على كل الخدمات كإظهار الرقم والمكالمات الجماعية وخدمة موجود إذا كان يدفع رسم اشتراك شهرياً؟ إن ما تحصل عليه بعض شركات الاتصالات من رسوم تؤخذ دون وجه حق، ومع هذا لم تحرك هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات ساكناً، وما زالت تتفرج على ذلك. ولو حدث أن وقع لك حادث تسبب الارتطام بشجرة أو سياج الطريق فإن أكثر من جهة ستطالبك بالتعويض، وفي المقابل قد تقع سيارتك في حفرة لم تردم ويكلفك إصلاحها الكثير؛ لأنه لا يوجد ما يدل على اسم الشركة المنفذة للمشروع، أو لا تعرف كيف تتصرف وإلى أي جهة يمكن أن تتقدم للحصول على تعويض لإصلاح سيارتك؟! لو وُجِدت إدارات لمتابعة أداء الموظفين في الأجهزة الحكومية، ومحاسبة المقصرين منهم، حتى لو كان ذلك من خلال جولات تفتيشية من قِبل هيئة الرقابة والتحقيق على الإدارات ذات العلاقة بالجمهور، لما وجدنا موظفاً يطلب من المراجع العودة في يوم آخر، ولو قامت هيئة الرقابة والتحقيق بجولة ميدانية على المشاريع المنفَّذة في المحافظات والمراكز لما وجدنا مشروعاً يُستلم رغم أنه لا يتفق مع المواصفات الهندسية.
لو تعرّف المواطن على حقوقه، ووُجِدت الجهات التي يمكن أن تقوم بمتابعة حصوله على حقه أو التعويض اللازم له، لن نشاهد حفرة لم تردم لشركة استخدمت وسائل بدائية في التحذير، أو تركتها مكشوفة أسابيع أو أشهراً، ولن نشاهد بنكاً يحصل على رسوم مقابل إصدار بطاقة بديلة لبطاقة لم تنتهِ بعد.