** المتابع لمسيرة تعليم المرأة في بلادنا يجد أنها -رغم حداثتها- سارت بشكل حثيث حتى تساوت المرأة مع الرجل في تعليمها وفي حصولها على أعلى الدرجات العلمية.
وجاء ذلك في سياق نسيج مجتمعنا المتشبث بدينه وبخصوصية المرأة فيه حيث لم يقف التزام المرأة بأخلاقها ودينها عائقاً أمام انطلاقتها التعليمية. بل إنها في كثير من الأحيان تتفوق على أخيها الرجل. وقبل أيام كان تتويج مسيرة المرأة التعليمية لدينا بوضع حجر الأساس لأكبر مدينة تعليمية جامعية للبنات تتسع لأربعين ألف طالبة. وكان قائد هذا الوطن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله هو راعي مناسبة التتويج لهذه المدينة عندما وضع حجر أساساتها وهو الذي تابعها وحرص عليها بل وحدد أن يتم الانتهاء منها خلال سنتين إن شاء الله.
إن هذه المدينة الجامعية الكبيرة وما سوف يتبعها من مدن جامعية لبنات الوطن في مختلف مناطق المملكة إحدى علامات التنمية الشامخة في هذا الوطن تعليماً وإعماراً وصناعة وحضارة، ودعم التعليم هو التوظيف الباقي لما أفاء الله به علينا فبناء الإنسان يتساوى تماماً مع تنمية المكان.
****
** لقد توقفت بإكبار لقراءة أبعاد ودلالات اعتذار الملك عبدالله -حفظه الله- عن تسمية جامعة البنات باسمه واختياره أن تسمى جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للبنات.
إن لهذه اللفتة المباركة من الملك عبدالله دلالات رائعة تعودنا عليها منه رعاه الله منها:
أولها: تواضعه بتنازله عن إطلاق اسمه على هذه المدينة وهو جدير بذلك فهو راعي النهضة الحضارية والتعليمية وهو الذي تحظى المرأة السعودية باهتمامه لتوفير أفضل فرص التعليم والعمل أمامها ولكنه حفظه الله آثر غيره على نفسه وقد حصل مثل هذا الموقف وقد شهدت ذلك في منطقة عسير عند الإعلان عن قيام الجامعة في عسير عندما أوضح وزير التعليم العالي أن اسم الملك عبدالله سوف يطلق عليها ولكنه رعاه الله أبدى في ساعة الحفل عدم رغبته بإطلاق اسمه عليها وأمر أن تسمى باسم الملك خالد - رحمه الله - وذلك وفاء منه للراحل العزيز.
ثانيها: دلالة أن اختيار الملك عبدالله لإطلاق اسم هذه المرأة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن يؤكد اعتزازه بدور وعطاء وجهاد نساء هذا الوطن من أجل وحدته ونمائه وشموخه تماماً كما رجال هذا الوطن.
ثالثها: اختياره حفظه الله الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل - رحمها الله - له عدة أبعاد يأتي -أولاً- وفاء وإيفاء منه لأخت والده عمته التي كان الملك عبدالعزيز يعتز بها ويفتخر بدورها العظيم إبان التأسيس فكان يقول (أخو نورة) وثانيها الذكر والتعريف وعدم نسيان الأجيال الجديدة من بنات هذا الوطن لهذه المرأة العظيمة المجاهدة حيث ستظل تذكرها الأجيال عندما سوف تتساءل بنات الوطن حالياً ومستقبلاً عن هذه المرأة التي سميت جامعتهم باسمها ليعرفوا من هي وما قدمته لدينها ووطنها رحمها الله وسيرجعون لقراءة واستذكار تاريخها ليقتدوا بها وليدركوا أن قيادة وطنهم كما تكرم رجال المملكة تكرم نساءها.
****
** لقد كنت في حديث مع سمو الأمير الفاضل سلطان بن محمد بن سعود الكبير حفيد هذه المرأة العظيمة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن وكان في غاية السرور وهو يرى الملك عبدالله يطلق اسم جدته على أول جامعة نسائية بالمملكة وأكبر مدينة جامعية نسائية بالعالم وخلال الحديث مع سموه عن هذه اللفتة الوفائية الواعية من لدن الملك عبدالله قال سمو الأمير سلطان بن محمد (إن هذا ليس غريباً على الملك عبدالله فهو ملك الوفاء وملك البر مثلما هو ملك العطاء والإنجاز وإن تسمية هذه الجامعة باسم الأميرة نورة بنت عبدالرحمن احتفاء منه -حفظه الله- بدورها العظيم ووقوفها إلى جانب أخيها الملك عبدالعزيز -رحمهما الله- خلال تأسيسه للمملكة وتوحيدها وبخاصة وهو يواجه الشدائد والصعاب حتى تحقق هذا الحلم على يديه بفضل الله ثم بمعاونة الرجال الأوفياء والنساء البارات اللواتي وقفن معه حتى قامت المملكة العربية السعودية.
****
** وبعد:
هذا هو وطننا يواصل مشواره في مشهد النماء ويتيح أفضل فرص التعليم وأرقاها لشبابه وشاباته.
وها هي جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للبنات شاهد على الوفاء، وصرح شامخ سنحتفي بافتتاحه بعد عامين بحول الله لنقول للعالم من حولنا: هذه بلادنا واحات عطاء، ودوحات تعليم، وباحات إنجاز، وشواهد وفاء، ودلائل مساواة.