شعب المملكة، وكذلك شعوب دول الخليج، لم يجدوا من الغرب، ومن الثقافة الغربية، إلا الخير والتنمية والتطور والكهرباء والدواء والغذاء والمدرسة والمطبعة والمواصلات الحديثة والغنى والحياة الرغيدة التي تلقاك في كل ناحية، سواء في هذه البلاد، أو في بقية الدول الخليجية، قبل الغرب كنا قبائل نتناحر ونتقاتل على الشاة والبعير، ونعتبر من يملك شيئاً من الخبز أو (قلة) من تمر يملك من الخيرات ما يغنيه من الفقر، لم يكترث بنا، ولا بعوزنا، ولا بالأوبئة والأمراض التي كانت تحصد منا الآلاف كل عام، بقية العرب والمسلمين، بل تركونا لا ننتهي من مجاعة إلا وتستلمنا مجاعة أخرى، ولا من وباء إلا ويستلمنا وباء آخر.
أما (الغرب) بالنسبة لبقية العرب فقد كان (الاحتلال) والظلم والتعسف ومص خيرات الشعوب، ولم يتفوق عليه في إذلال الشعوب ونهبها إلا الاحتلال التركي، أعني احتلال (دولة الخلافة) التي لحقنا من شرورها قسطاً وافراً على يد السفاح إبراهيم باشا عندما دمر عاصمتنا الأولى الدرعية.
أي أن علاقتنا بالغرب كانت مصدر خير ونماء، بينما علاقات بقية العرب بالغرب كانت مصدر شر وبلاء، وهنا مكمن الفرق بيننا وبين بقية الشعوب الناطقة بالعربية.
وعندما تدفق النفط في بلادنا على يد (الغرب)، وليس العرب، ولا المسلمين، شد الرحال إليها (مهاجرين) بعض ممن كانوا طوال أيام الجدب والجوع والمرض والخوف لا يكادون يذكروننا، فأصبحنا فجأة (إخوانهم العرب)، وصارت بلادنا مهوى أفئدتهم.
أهلاً وسهلاً، وبالرحب والسعة، ونحن - كذلك- نحتاج إليكم، ونحتاج إلى خبراتكم، ولكن حسب شروطنا، وقبل كل شيء (مصالحنا) أن تنتهزوا الفرصة للانتقام من (محتليكم) الأوائل من خلال الإضرار بنا، وبمصالحنا، و(اللعب) على شبابنا، و(إسقاط) بغضكم لهم، وتاريخكم معهم، على ثقافتنا، فهذا ما سوف نقف بكل ما نملك من قوة في وجهه.
التنمية بمعناها الشامل هي خيارنا الأول الذي لن نقبل أن تنازل عنه مهما كان الثمن، وهذا الوطن الذي وحده أبناؤه، هو بالنسبة لنا وطن (نهائي)، غير قابل للزيادة أو النقصان، قضايا الآخرين - أياً كانوا- هي بالنسبة لسلم أولوياتنا (ثانوية)، فالأولوية لوطننا، ولما يخدم مصالحنا، لذلك فعلاقتنا بالغرب، وبأمريكا على وجه الخصوص، هي علاقة (إستراتيجية)، غير قابلة للنقاش أو المساومة أو التنازل أو المقايضة من أجل قضاياكم، فالأمر متعلق بمعركتنا مع التخلف، الذي يملك الغرب، وليس أنتم، كل الوسائل والآليات التي تمكننا من الانتصار عليه، وكما قال أحد عرّابيكم ذات يوم: (لا صوت يعلو على صوت المعركة)، نعم لا صوت يعلو على صوت معركتنا مع الظلام والتخلف.
علاقتنا مع الغرب، وبالذات مع أمريكا، هي علاقتنا بالتقدم والحضارة، بها ومن خلالها ننهض، ونقيم الدولة (الحلم) التي هي ما نعمل لتحقيقه منذ عبدالعزيز وحتى عبدالله بن عبدالعزيز، لا يهمنا من يحكم أمريكا، أكان بوش أو أوباما أو أي رئيس آخر، بقدر ما يهمنا في الدرجة الأولى علاقتنا الإستراتيجية مع الحضارة الأمريكية، والغرب عموماً.
كراهية الغرب، بدعوى كراهية (التغريب)، والاعتداد بالذات، أو لأي سبب آخر، هي ذريعة جاء بها القادمون من الشمال العربي، واستطاعوا أن (يوطنوها) في ثقافتنا، فتلقاها شبابنا من (معلميهم)، وصاروا يرددونها دون وعي بتبعات هذه المقولة التي تهدف إلى (عزلنا) ثقافياً عن مصدر التحضر الذي كان له الفضل بعد الله في كل ما نعيش فيه من رفاه.
التنبيه إلى هذه القضية المفصلية، وخطورة تبعاتها، هي - في رأيي- من أهم ما يجب أن يعمل من أجله مثقفونا. إلى اللقاء.