ما البديل عن فلسفة ومقصد الحوار بين بني الإنسان من أجل العيش بسلام على هذا الكوكب الذي طالما أريقت الدماء على ترابه، بسبب عدم وجود أسس للتعايش السلمي وقناعات حوارية خصوصاً بين أتباع الأديان السماوية، الذين غالباً ما يذهبون ضحية نزق وحماقات المتطرفين من أرباب الإقصاء والتعطش للسيطرة على الآخر وفتح قنوات الصراع معه؟ نأتي بمثل هذه المقدمة ومؤتمر حوار الأديان الذي سوف ينطلق في نيويورك يطل علينا بأمل كبير وطموحات عالية من قبل العقلاء في عالم اليوم، الذين تدفعهم (حميتهم) الإنسانية وانحيازهم لفكرة العيش المشترك إلى الإسراع في تأطير تلك العلاقة من خلال ورش العمل الحوارية بين أتباع الأديان السماوية المقدسة والثقافات الإنسانية للبشر. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في ظل ما نحن بصدده من حديث هو: ما هو البديل لحوار الأديان؟ من أجل خلق صمام الأمان في عالم اليوم الذي أضحى الدين فيه مستغلاً حتى من قبل أرباب السياسة والاقتصاد لجني الأرباح وتوظيفه لتنفيذ الأجندات الخاصة حتى وإن كان ذلك عبر خلق فوبيا الأديان وتجييش الرعاع وتعبئتهم ضد أتباع الديانات الأخرى.
وكم من روح بريئة كان يمكن أن يحقن دمها عبر قطع الطريق على المتطرفين وسد الذارئع في وجوههم.
مما لا شك فيه أن نشر ثقافة الحوار والإسراع في دوران عجلتها ما يخيب أمل الكثير من المنطوين تحت قناعات صدام الحضارات ونهاية التاريخ، ممن ساعدت مؤلفاتهم وأفكارهم السوداوية في شحن الأنفس وتعبئة كل الأطراف ضد بعضها، ذلك أنهم قد نظروا إلى الجانب المظلم للعلاقة بين البشر ولم تجتهد عقلياتهم للوصول إلى فضاءات النور في طرق التبادلية الإنسانية، والتي عجزت أو تعاجزت كل الأيديولوجيات السابقة سواء كانت يسارية أو يمينية في الوصول إليه لإغفالها دور الدين في حياة الإنسان وانحيازها للمادة، وحركة دوران التاريخ وغيرها من التنظيرات التي وإن كانت في ظاهرها ذات بريق جذاب فإن في مضمونها عناصر الصدام والاحتدام التاريخي. لا يختلف اثنان أن مؤتمر حوار الأديان قفزة عالمية أتت من مجهود زعيم عالمي أطر أصول الحوار في بلاده ونشر قناعاته بها فاتحاً الباب على مصرعيه لتشريح كل ما يطرح من قضايا اجتماعية، ليتجاوز ذلك حدود وطنه إلى أفق وفضاءات الإنسانية جمعاء.