القنطرة التي يجب أن يجتازها الفرد للتعايش بسلام مع باقي أفراد المجتمع، وكذا المجتمعات مع بعضها بعضا على هذا الكوكب هي أن يفهم بعضهم بعضا.. وبما أنه لا يمكن أن تفهم الآخر ما لم تعرف فكره وامتداداته التاريخية والعقدية وما هي الأسس والمرتكزات الأيدلوجية والدينية والفكرية التي يستند إليها في فكره، والتي تشكل بواعث ومحركات سلوكيات وأفعاله. وكل هذا لا يمكن أن تفهمه وتصل إلى معرفته إلا بالحوار والتعايش مع ذلك الفرد أو مع أفراد تلك المجتمعات، فالأمم تعرف بثقافاتها والحضارات تفهم بمكوناتها الثقافية والفكرية، وهذه المعرفة يتم الوصول إليها بالاطلاع على النتاج الفكري والمعرفي لتلك الأمم، وبربط هذا المخزون الحضاري والسلوكي لما تؤمن به من ديانات ومعتقدات وما تسير عليه من سلوكيات ثقافية وحضارية. دراسة وتفهم كل هذه الروابط والمحاور يجعلاننا أكثر قرباً للآخر سواء كان هذا الآخر فرداً أو مجتمعاً أو حتى أمة تجمع مجموعة من الدول. وهذه الدراسة والتفهم لا يمكن أن يكونا مكتملين بالاعتماد فقط على الدراسة والبحث في المؤلفات بل يتعززان ويصبحان أكثر واقعية وحقيقية إذ ما حاورت الشخص أو الرموز الفكرية والدينية والثقافية للمجتمع والأمة، وهنا تنبع أهمية الحوار، الذي هو في حقيقته سبر لثقافة ومعتقد وسلوك الآخر فرداً أو مجتمعا أو أمة.
من خلال هذا الفهم انطلقت جهود خادم الحرمين الشريفين في إرساء ونشر ثقافة الحوار، فمتى نفهم بعضنا بعضا ونعيش متسامحين متحابين في المجتمع السعودي الواحد علينا أن نفهم ونتفهم بعضنا بعضا والذين يتذكرون يعرفون كم كانت حياتنا رائعة وجميلة لأننا نعرف بعضنا بعضا في الحي الواحد، بل وفي المدينة الواحدة، ولذلك نجد أهل القرية ثم المدينة أكثر حباً لبعضهم بعضا وأكثر تماسكاً.
هذا المجتمع المتماسك، مجتمع القرية أو مجتمع المدينة وحتى المجتمع الأشمل، مجتمع الدولة والأمة يصبح أكثر تفهما وبالتالي قدرة على طرح أفكاره ومكتسباته الثقافية الحضارية من دينية وفكرية للمجتمع الآخر، طرحاً واعياً ومتمكناً وفاهماً، لأنه ببساطة يفهم ويعلم عما يدافع عنه ويتكلم عنه، وهو ما تؤسس له ثقافة الحوار وتجعله واقعاً معاشاً لا يشعر الفرد بأي غربة أو تناقض وهو يمارسه مع الآخر.
هذا ما حققه (فكر عبدالله) هنا على أرض المملكة، وقد سعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى توسيع دائرة الفهم والتفهم لتعم العالم الإسلامي جميعاً، بل ويمارسها كل المسلمين أينما كانوا، بدءاً في تفهم أحدنا للآخر بغض النظر عن معتقده المذهبي ودون أن يفرض عليه الأخذ بذلك المذهب سواء بالإغراء والترغيب أو بالتطهير المذهبي كما حصل في بعض الأقطار الإسلامية ولهذا كان مؤتمر مكة المكرمة الذي كان سامياً في مقاصده وحقق الشيء الكثير، على الأقل في صياغة موقف إسلامي تجاوز المشاركون فيه عن الكثير من التناقضات والتشنجات التي كانت تثيرها الاختلافات المذهبية بهذا الموقف شبه الموحد شارك المسلمون في المؤتمر الدولي لحوار الأديان في مدريد ليصبح نهج وفكر عبدالله، مسعى ومطلباً أممياً وتتنادى الهيئات والمنظمات الدولية لتعميمه ونشره حتى يتحول ملكاً ونهجاً أممياً كثقافة عامة عالمية للسلام.
jaser@al-jazirah.com.sa