الرياض - منيرة المشخص
أكد عدد من المختصين في الشأن السياسي أن اختيار الشعب الأمريكي كل أربع سنوات لرئيس جديد لهم لا يعني في حد ذاته أن هناك تغييراً جذرياً لسياسة الرئيس الجديد عن سابقيه. وإن اختلف الفعل فإن الهدف واحد هو بحث المصلحة الأمريكية بتوجيه بوصلتها إلى الاتجاه الذي تراه مناسباً لها مهما كان هذا الاختيار له عواقب أو ضرر على دول أخرى, خاصة فيما يختص بالقضية الأزلية التي كان العرب في جدال مستمر حولها مع أمريكا منذ ستة عقود ألا وهي القضية الفلسطينية وانسحاب إسرائيل والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بشرعية أراضيه وعروبتها.
ويحاول المختصون من خلال (الجزيرة) تقديم قراءة مستقبلية للعلاقات العربية الأمريكية بعد تسمية الولايات المتحدة الأمريكية لرئيسها الجديد واختيار باراك أوباما رئيساً لها لأربع سنوات قادمة.. فتحدث لنا بداية الأستاذ الدكتور صالح بن عبد الرحمن المانع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود قائلاً: لا شك أن وصول السيد أوباما إلى سدة الرئاسة الأمريكية يمثل حدثاً تاريخياً مهماً للشعب الأمريكي نفسه أكثر من أي شعب آخر، فقد أثبت هذا الشعب عن طريق تصويته لخيار التغيير بأنه قد سئم السياسات السابقة لإدارة الرئيس بوش وما ألحقته بالعالم وأمريكا نفسها من إشكالات عميقة تناولت الأبعاد السياسية والأخلاقية وصورة الولايات المتحدة في الخارج.
وأردف الدكتور المانع: كما أن تدهور الاقتصاد والأزمة المالية كانت مهمازا بنهاية عاجلة في الحقبة الجمهورية ويتساءل الدكتور صالح: هل ستتغير العلاقات العربية الأمريكية وتتحول بالتالي إلى وضع أفضل؟ سؤال جدير بالتأمل وتعتمد الإجابة على نوع الأشخاص الذين سيتولون إدارة زمام الإدارة الجديدة وعلى السياسات نفسها، علماً بأن ذلك محكوم ببطء عملية التغيير في السياسة الأمريكية بوجه عام وكذلك بمعطيات ثابتة في السياسة الخارجية الأمريكية.
ويواصل الدكتور المانع: فعلى سبيل المثال فإن تعيين شخصية سبق أن حاربت في صفوف الجيش الإسرائيلي أمر يثير قلق الكثيرين في العالم العربي والإسلامي وخاصة أن هذه الشخصية ستكون مسئولة بصفة رئيسة عن التعيينات في البيت الأبيض وعن وضع الأجندات السياسية أمام الرئيس المنتخب، من ناحية ثانية فإن هناك أسماء يذكر بأنها ستبقى في الإدارة الجديدة ومنهم السيد (جيت) وزير الدفاع وفي هذا إشارة واضحة إلى حلفاء الولايات المتحدة بأنها لن تغير بشكل كبير من استراتيجياتها الدفاعية وأن موضوع الانسحاب من العراق لن يتحقق خلال 16 شهراً، كما وعد بذلك أوباما في حملته الانتخابية، فالحقائق على الأرض ستجبر الرئيس المنتخب على التعامل بواقعية مع الإشكالات العميقة التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية ويضع الدكتور المانع تصوراً للمرحلة القادمة لأمريكا، حيث يقول: يذكر في هذا الشأن أن الولايات المتحدة ستكون منشغلة في الفترة القادمة بأوضاعها الداخلية ولن تلعب السياسة الخارجية فيها أي دور رئيسي عدا مواجهة الأزمات والانتهاء من الحروب التي بدأتها الإدارة الديمقراطية.
ويختم حديثه قائلاً: الناخب الأمريكي اختار السيد أوباما على أساس إيجاد حلول سريعة للإشكالات الاقتصادية والبطالة التي يعيشها الناس، لذلك فإن الوضع الداخلي سيبقي هو الهاجس الرئيس للإدارة المقبلة.
ويرى فيصل جلول: (كاتب لبناني مقيم في باريس) أن حدوث تغير إيجابي في العلاقة بين العرب وأمريكا هو وهم، ويوضح ذلك بقوله: يعتقد بعض المحللين العرب مخطئين أن العلاقات العربية - الأمريكية يمكن أن تدخل منعطفاً جديداً مع كل دورة رئاسية أمريكية. هذا الاعتقاد مبني على وهم.. يقول: إن السياسة الخارجية الأمريكية تتغير مع كل رئيس جديد. ويضيف: الواقع يقول شيئاً آخر. ذلك أن التغيير المرتقب مع كل دورة رئاسية ينصب أساساً على القضايا الداخلية التي تمس مصالح الكتل الانتخابية في الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وأردف جلول: وإذا كان صحيحاً أن بعض قضايا السياسة الخارجية تؤثر مباشرة على مصالح الناخبين كالحروب التي تزيد أعباء الخزينة وتستدرج ضرائب جديدة وتخفف القدرة الشرائية للناخبين الذين يظهرون ميلاً للمرشح الذي يعد بشيء آخر غير الحروب.
ويضيف فيصل: الصحيح أن 10 بالمائة فقط من الناخبين قد اقترعوا في هذه الدورة بتأثير من الحربين العراقية والأفغانية والقسم الأكبر اقترع بتأثير من الأزمة الاقتصادية ووفقاً لشعارات اقتصادية مما يعني أن السياسة الخارجية على أهميتها تظل في مرتبة أدنى من السياسة الداخلية وبالتالي فإن التغيير الرئاسي يتم على قاعدة المصالح الداخلية.
ويواصل الأستاذ جلول حديثه قائلاً: الوهم الآخر الذي يضرب مخيلة بعض المحللين العرب مفاده أن أمريكا يمكن أن تغير سياستها الخارجية رأساً على عقب مع كل رئيس جديد. في حين تفيد الوقائع أن التغييرات في السياسة الخارجية لا تأتي من واشنطن وإنما من العالم وعليه تتكيف الولايات المتحدة مع الوقائع الجديدة التي ترتسم في بقع العالم المختلفة حيث تحتفظ أمريكا بمصالح إستراتيجية، تبقى الإشارة إلى أن التغيير في السياسة الخارجية قد يطرأ في ظل الرئيس نفسه إذا ما اقتضت الضرورة مثل هذا التغيير.
وعلى ضوء ذلك يرى فيصل جلول أن مستقبل العلاقات الأمريكية - العربية سيكون كماضي هذه العلاقات محكوماً بالتحالف الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل وكل تغيير في سياسة واشنطن العربية سيكون محكوماً سلباً أو إيجاباً بهذه القضية حصراً ويشير بقوله: هنا نتحدث عن الأساس في هذه العلاقات وليس عن المسائل الفرعية. يكفي في هذا المجال إيضاح ما نقول بمثال واحد هو العلاقات مع مصر التي كانت في ذروتها الصراعية في عهد جمال عبد الناصر لتصل اليوم في عهد مبارك إلى ذروة التفاهم والتغير ليس وافداً من واشنطن وإنما من مصر التي انقلبت سياستها رأساً على عقب بعد توقيع اتفاقية السلام في كامب ديفيد مع إسرائيل. ولكن يضع فيصل تصوراً إيجابياً من الممكن أن يطرأ على سياسة باراك وذلك بقوله: التغيير الإيجابي الذي يمكن أن يطرأ على سياسة أوباما العربية يكمن في دعوته للحوار مع سوريا وإيران والراجح أن الحوار سيكون صعباً لكنه سيكون الأساس في التعاطي الأمريكي مع هاتين الدولتين، ذلك أن سياسة واشنطن السابقة في عهد بوش كانت هجومية تجاه البلدين وقد أصيبت بفشل ذريع.
وأضاف: النظام السوري لم يسقط كما كان منتظراً في باريس وواشنطن لا، بل إن هذا النظام بات يشكل ضمانة حقيقية لأية ترتيبات سياسية وأمنية جديدة في الجولان والعراق ولبنان وفلسطين في حين يرى جلول أن إيران لم تستهدف عسكرياً بسبب برنامجها النووي وحين لا يكون التهديد العسكري فعالاً فإن البديل الوحيد عنه هو الحوار خصوصا أن إيران تملك تأثيراً مهماً في القضايا المذكورة آنفاً ناهيك عن تأثيرها المهم أيضاً في أفغانستان فضلاً عن موقعها البارز في خريطة النفط والغاز في العالم. ويضيف الأستاذ فيصل: الملاحظ من خلال المواقف السياسية للرئيس الأمريكي المنتخب أنه استخلص الدروس المفيدة من السياسة التي انتهجها سلفه والتي وصلت خلال 8 سنوات إلى حائط مسدود وعليه نجد أنه لا يرغب في تجاوز مجلس الأمن في قضية دارفور ويريد أن يعمل مع الصين وروسيا من أجل حل هذه القضية.
ويرى جلول أنه ومن غير المستبعد أن يحافظ على السياسة الخارجية السابقة فيما يتصل بقضية الصحراء الغربية في حين تشير تصريحاته حول ضرورة العمل مع حلفاء أمريكا في المنطقة العربية إلى تخليه عن مشروع التغيير الاستراتيجي لأنظمة الشرق الأوسط الذي انتهى إلى سلة المهملات.
ويختم الكاتب فيصل جلول رأيه قائلاً: وتبقى قضية فلسطين هي القضية المحورية بالنسبة للعرب. في هذا الجانب لم يكذب أوباما التوقعات ذلك أنه قبل تسلمه صلاحيته الرئاسية قد اختار موظفاً إسرائيلي الجنسية ليكون سكرتيره في البيت الأبيض. وفي السياق ذاته قال (أيمن جزيني) وهو كاتب لبناني مختص في الشأن السياسي: لم يكن مستقبل العلاقات الأميركية - العربية في أي يوم الأيام رهناً بهذا الرئيس أو ذاك في الولايات المتحدة. السياسة كونها علماً لبناء دول فهي حاصل مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. بهذا المعنى يمكن قراءة العلاقات العربية - الأميركية.
ويضيف جزيني: لكن ما ينبغي التركيز عليه انه لم يعد هناك مصطلح يجمع (علاقات عربية) بسبب التغيرات الطارئة أساساً على العلاقات العربية العربية. وأردف أيمن: هكذا أصبح الحديث عن علاقات أمريكية - عربية ضرباً من الهذر.. فلقد أصبح لكل دولة مصالح خاصة باستثناء السعودية التي تقود مصالح العالم العربي بهدوء وتؤدة وبأقل نسبة خسائر ممكنة. ولنراجع ما يحصل في العراق من تدخل إيراني. ويضيف جزيني: في أمريكا لا توجد سياسة لكل شخص أو رئيس إنما آلية عمل يعبر من خلالها عن قناعته أو رؤيته السياسية. والأرجح أن نتائج سياسة الرئيس الجديد ستكون أقسى على العالم العربي أو الدول العربية، لان هذا الرئيس يسعى إلى أميركا وتحديدا في الملفين الأفغاني والعراقي. ولينجح في ذلك عليه أن يكون أشد حزماً من الرئيس جورج بوش ليفي بالوعد الذي قطعه وهناك ملفات بالغة التعقيد خصوصا ملف إيران النووي وملف فلسطين ولبنان وبالمبدأ بدأت التعبيرات بالظهور من خلال قوله انه على إيران وقف دعم المنظمات الإرهابية وهذا الموقف بالغ الدلالة عن طريق الحوار التي يدعو إليها، فهو يحدد الأجندة قبل لقاء الأطراف وبلغة شديدة الوضوح.
ويطرح أيمن جزيني في نهاية رأيه عدة تساؤلات قائلاً: والآن فليجيب من تحمس إلى انتخاب أوباما من العرب عن سؤال ملح: ماذا يختلف أوباما عن بوش؟ أبعد من ذلك: فيما يخص الملف الفلسطيني: فهل هناك من يعتقد أن أوباما سيستجيب لسلوك حماس؟ والمنظمات الموالية لسوريا؟ وهل سيقبل بالدخول السوري إلى لبنان مجدداً؟