دبي - مكتب «الجزيرة»
- علي عميص
تعيش الاقتصادات اليوم تحت وطأة الأزمة المالية العالمية حيث تتعاظم الخشية من أن يطال شرارها الجميع وعلى رأسها قطاع العقار، ولعل نظرة بانورامية إلى هذا القطاع تخفف من ضبابيّة المشهد الحالي وتضفي شيئاً من الوضوح بما يعزز الرؤية الإستراتيجية على حساب حالة الترقب والحذر السائدة الآن.
فقبل أكثر من عام بقليل، كان يمكن تسمية قطاع العقارات في بريطانيا مثلاً سوقاً مزدهراً، في حين فقدت الولايات المتحدة سوقها المزدهر قبل عامين تحولت أسواق العقارات من حالة الازدهار إلى الانهيار في جميع أنحاء العالم، فقد بدأت أسواق العقارات الأوروبية في الانهيار أواخر العام الماضي، في حين بدأت الصين والهند وروسيا والبرازيل الآن بمعرفة الانخفاض الحاد في الأسعار، ووسط كل ذلك، يبقى سوق العقارات في دول الخليج السوق الوحيد الذي ما زال يشهد نمواً وازدهاراً، فماذا عن النشاط العقاري ومستقبل الاستثمار في هذا القطاع بدبي في ظل الأزمة الراهنة كواحد من أهم أسواق المنطقة؟
القدرة على ضبط الإيقاع
يؤكد الخبراء وبناءً على مؤشرات ودراسات منشورة أن خصوصية السوق العقاري في الإمارات عموماً ودبي خصوصاً تجعله بمنأى عن التأثر مباشرة بالأزمة المالية العالمية الحالية حيث يبلغ حجم الرهن العقاري في الإمارات 4.5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 20% إلى 30% في معظم الأسواق الناشئة، وأكثر من 100% في الاقتصادات المتقدمة - وهو من الأسباب التي ساعدت على تعميق الأزمة في تلك الأسواق واستبعاد تأثيرها السلبي على قطاع العقار في الخليج عموماً، كما أن قطاع التملك الحر للعقارات في الخليج صغير أيضاً، وتعتبر دبي الأكثر تقدماً مع ما يقرب من (30 إلى 35) ألف وحدة مكتملة و(160 إلى 170) وحدة قيد البناء أو الحجز، وهذا يعني أن الحكومة تملك تأثيراً هائلا على هذا القطاع، فهي تستطيع أن توقف المشاريع وتنظمها، إضافة إلى تمويل جميع الرهون العقارية وإدارة القطاع بشكل تصبو الاقتصادات الأخرى إلى بلوغه.
وأظهر تقرير لشركة كوليرز انترناشيونال مؤخراً ارتفاع أسعار العقارات في دبي بين 15% و20% في معظم المناطق الشعبية في المدينة خلال هذا الصيف - والذي يعتبر في العادة هادئاً، - ولكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن هذا الارتفاع جاء بعد زيادة مقدارها 78% في الـ 12 شهراً السابقة، وهو ما يشير إلى أن حركة العقار لا تزال في نمو طبيعي مطرد وإن كان هناك تفاوت في نسبة الارتفاع.
الورشة تعمل رغم ضجيج التكهنات
رداً على سؤال (الجزيرة) حول إستراتيجية شركة (نخيل) العقارية في ظل ارتدادات الأزمة المالية القائمة حالياً، صرّحت منال شاهين مديرة تسويق كبار العملاء قائلة: (نحن نثق بالسوق الإماراتي ونعرف إلى أين سيصل هذا السوق، ويهمنا أن نقول إننا منذ 2005 ونحن نسمع عن كثير من التكهنات، كيف سيهبط السوق، وكيف سيتأثر وغير ذلك، وأن العرض في قطاع العقارات سيكون أكثر من الطلب وقد سمعنا أمورا كثيرة. نحن في نخيل معتادون دائماً على كسر كل التوقعات، ونعتمد على حقائقنا ووقائعنا، فنحن نعتمد على الأرقام الموجودة بين يدينا أكثر من التكهنات، وإلا لما كنا أعلنا عن أي مشروع منذ 2005 وحتى الآن، فقد حققنا خلال ال9 أشهر الأولى من 2008 ثلاثة أضعاف مبيعاتنا عن سنة 2007، فمنذ 2005 والسوق العقاري في الإمارات دائماً في صعود، وهناك إقبال، صحيح أن هناك تفاوتاً ولكن هناك طفرة قائمة، والسوق العقاري في الأصل يعمل ضمن حركة دائرة بشكل مستمر ولا يستقر على حالة ثابتة طويلاً، ولو لم يكن هناك دوران لما كانت حركته صحيّة). وتضيف شاهين: (على هذا الأساس نحن نتوقع أن يستمر في الارتفاع لأن السعة الإنشائية الموجودة غير كافية، والتزايد في النمو يصل إلى 7%، فلو نظرنا إلى التزايد لوجدنا أنه أكثر من السعة الإنشائية الموجودة، وعليه سيظل هناك طلب حتى سنة 2020 على الأقل، وهذه أرقام، طبعاً سيكون هناك تأثير على منطقة الشرق الأوسط جراء الأزمة العالمية ولكنه صغير، فمقومات سوق دبي النامي تجعله بمنأى عن تلك الارتدادات).
انعكاسات الأزمة.. ومرحلة الاستقرار
بدوره شدّد عادل لوتاه الرئيس التنفيذي لمجموعة داس القابضة على أن الأحداث والتطورات الأخيرة ما هي إلا موجة من الموجات التي تمر بها الأسواق، وقال ل(الجزيرة): هذا الوضع يعطي خصوصية معينة ويتطلب نوعا من الاتزان والتفاعل، وتابع: (قبل فترة كنا نعايش غلاء تكاليف التشييد، وقبلها كنا نعاني من عدم توفر سوق للبيع، فلكل فترة مميزاتها وضروراتها وتتطلب نوعا من المحاكاة، فالشركات القوية التي لديها عمق ووزن وسيولة وتدفقات نقدية، هي التي تعطي المناعة للسوق قبل أي أمر آخر، ولكل سوق جاذبياته ومميزاته، وأعتقد أن هذه كلها أمور متوقعة).
وحول تأثر الشركات العقارية سلباً بشكل مباشر جراء الأزمة المالية وما يرافقها من انعكاسات قال لوتاه: (نحن لسنا الوحيدين في السوق، وتوجهات السوق تتباين بين وجهة نظر وأخرى، ولكن نحن من جهتنا مستمرون في مشاريعنا، وفي التوجه الذي نسير فيه، لأننا بالأساس وضعنا استثماراتنا في الأراضي والتصاميم العمرانية، وأعتقد أن هذه المشاريع ستأتي بعوائد جيدة، والمسألة هي في من سيستطيع أن يوفر المنتج الأفضل، فالإمارات أساساً تعتبر مركز أعمال، وكل ما يتم بناؤه يخدم قطاع الأعمال من شركات وموظفين وزوار وسياح. وبرأيي فإن قطاع العقار سيصل إلى مرحلة من الاستقرار نظراً لقدرة استيعاب البلد، ولكن هذا تحدده حاجة السوق في السنوات القادمة).
أما محمد ناصر بن حمدان مدير تطوير الأعمال في شركة (الدار العقارية) فأكد ل(الجزيرة) أن (الدار) تتوسع في مشاريعها الكبرى في إمارة أبو ظبي وقد أنجزت مراحل أساسية من المجمعات على شاطئ الراحة إضافة إلى البنى التحتية الأساسية لكثير من المشاريع الكبرى لافتاً إلى حاجة السوق في إمارة أبو ظبي إلى مزيد من الإنشاءات والمشاريع العمرانية مستبعداً تأثر القطاع عموماً بأي أزمة مالية نظراً لدعم الدولة المباشر وتوفر السيولة والطلب المتزايد.
سيظل سوقاً جاذباً، ولكن!
وفي هذا السياق ذكر تقرير صادر عن شركة (المزايا) القابضة أن القطاع العقاري في الإمارات، وعلى رأسه سوق إمارة دبي سيظل دوما سوقا جاذبا للاستثمارات، وذلك لتوافر كافة العوامل التي تؤهله للعب هذا الدور بغض النظر عن التقلبات العالمية.
وتعليقا على الموضوع، قال المهندس خالد اسبيته، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمزايا القابضة: (هناك ثلاثة عوامل تشكل المكونات الرئيسية التي يستند إليها أي استثمار ناجح، وهي النمو السكاني، ومعدل دخل الفرد، ومتانة اقتصاد البلد لناحية تحقيق النمو الاقتصادي وتوافر السيولة وتنويع مصادر الدخل وسواها، وهذه العوامل الثلاثة تتوافر بقوة في دولة الإمارات العربية المتحدة).
وأضاف: (استطاعت الدولة الاستفادة بصورة حسنة من النمو في أعداد سكانها، لتوفير اليد العاملة وزيادة الإنتاجية واستقطاب الخبرات وسواها، كما استطاعت تنويع مصادر دخلها بصورة مميزة، فلم تعد تعتمد على قطاع واحد دون سواه، كالقطاع النفطي أو العقاري أو الأسواق المالية وحسب، وإنما برزت لديها نهضة استثمارية في العديد من القطاعات الأخرى المدرة للدخل كقطاع الطيران، والسياحة، والإعلام والخدمات، مما يعني أنها استطاعت أن تحمي اقتصادها وتوفر له المقومات القادرة على تحقيق النمو بغض النظر عن تقلبات الأسواق).
واعتبر اسبيته أن التراجع الحاصل حاليا في أسعار النفط لن يؤثر على حركة الاستثمارات المختلفة، بما فيها الاستثمارات العقارية، على المدى القصير، وذلك لكون القطاعات الاستثمارية كافة قد استفادت من الفورة التي شهدها قطاع النفط خلال الفترة السابقة، وحصد فوائد هذا الارتفاع بصورة ضخمة لن يؤثر فيها التراجع الحاصل في الأسعار اليوم. ولكن، رغم كل الخصوصية التي تميّز أسواق منطقة الخليج العربي ومن ضمنها سوق الإمارات وتحديداً إمارة دبي يبقى السؤال: ماذا لو انحدر سعر برميل النفط إلى ما دون الـ 50 دولاراً خلال العام المقبل؟ لا شك - حينها - ستبدأ أجراس الإنذار بالقرع في كل أرجاء المنطقة.