ذكرني مقال الأستاذ ممدوح المهيني المنشور بجريدة الرياض (30-10-2008) بأيام لندن في الثمانينات الميلادية. كان ذلك في صيف عام ثمانين ميلادية على وجه التحديد. كانت لندن في مرحلة تحول. تريد أن تنتقل من مرحلة الستينات والسبعينات إلى المرحلة التي نعيشها الآن. استولى المحافظون على السلطة وبدأ حلف ريجان تاتشر الذي نجني ثمرة خرابه اليوم في الأزمة الاقتصادية والإرهاب الإسلامي وبقايا حرب أفغانستان. سيطرة الأحزاب المحافظة على العالم التي أورثتنا كل هذا الدمار والتردي وأدى إلى سيطرة واشنطن على أخلاق العالم وحرياته. ذكرني سؤال الثلاجة بتلك الأيام. قررت السيدة تاتشر تنظيف منطقة سوهو الشهيرة التي انتشر فيها كل أشكال الفساد وخاصة الدعارة. انتشرت بين الناس حالة من التذمر على وجه لندن المشرق. اضطر رجال الشرطة إلى متابعة الغانيات وزبائنهم الأشرار. كانت هناك مجموعة من الفتيات الشقيات فتحن محلات بيع رذيلة وبعضهن كنّ يقفن على النواصي يتصيدن الرجال. لا يمكن أن يخطئ أحد أشكالهن. كن يتصيدن السكارى والمخمورين والضائعين والسياح التافهين. لم تكن الشرطة قادرة على إلقاء القبض على تلك الفتيات فالحرية الشخصية مكفولة في بريطانيا. الجميع يعرف تلك الفتيات ولكن القانون هو القانون يتوجب على رجل الشرطة إثبات أن تلك الفتيات يمارسن البغاء أو يحرضن عليه. كان هناك غرف صغيرة يستأجرها هؤلاء الأشقياء لقضاء وطرهم فيها. اضطر البوليس البريطاني أن يترصد هؤلاء الفاسقين عند هذه الغرف وإلقاء القبض عليهم للتأكد من علاقاتهم بتلك الفتيات. كان بين تلك الأسئلة سؤال ما هو لون ثلاجة منزلك؟ سؤال معيب يوجه للغانيات وزبائنهن الأشرار عندما يقعون في قبضة العدالة. جزء من التحقيق الذي تجريه الشرطة مع المقبوض عليهم والمتحفظ عليهم. شيء محزن وممض أن ينتقل هذا النوع من التحقيق إلى شوارع مدن المملكة التي نتغنى بعفاف أهلها وطيبتهم.
ما أن قرأت مقال الأستاذ ممدوح حتى ركضت إلى المطبخ الذي لم أدخله منذ أكثر من سنتين وتحققت من كل شيء: الثلاجة والفرن والميكرويف والدواليب. أحجامها ألوانها الشركات المنتجة لها. قد يكون المحقق ذكيا ويقفز إلى غرفة النوم أو الصالة أو الحمام أو غرفة الخدامة. قد يفاجئني بسؤال عن لون كيس المخدة أو حجم التلفزيون أو الصابون. آلاف المعلومات الصغيرة التي يمكن أن يسألك عنها محقق الأخلاق في الشوارع السعودية. أمامك ثلاثة حلول لتنقذ نفسك وسمعتك وكرامتك. إما أن تكون ذاكرتك حديدية تلتقط الأشياء التافهة في الحياة أو أن تتخلى عن الظهور مع زوجتك وتتركها في عهدة السائق. أو تأخذ بنصيحة الأستاذ ممدوح المهيني في قوله: (سؤال ما هو لون ثلاجة الذي يبدو ساخراً هو أكثر الأسئلة المؤلمة لأنه يخبئ خلفه أكثر الأساليب انتهاكاً للحرية والكرامة، ويعبر عن أكثر الأفكار جهلاً وتطرفاً، ويكشف عن أكثر الرغبات النفسية الخسيسة والمتشفية. والأكثر ألماً وإذلالاً هو الإجابة عن هذا السؤال حتى لو كانت إجابة صحيحة. لهذا لا تحفظوا لون ثلاجات منازلكم...).
YARA.BAKEET@GMAIL.COM