لأسباب يصعب حصرها في هذه العجالة تنفرد دولة الكويت في تاريخها الحديث بتميز من نوع مختلف عن جاراتها العربية، وكان ولا زال هذا التفرد يختلف ويتطور من فترة زمنية إلى أخرى، ولا زلت أتذكر جيداً عصر التفوق الكويتي في رياضة كرة القدم، وكم كنًا في شوق
غير عادي لتحقيق الانتصار الأول على المنتخب الكويتي المتفوق في تلك الفترة..
كذلك كانت الكويت تتميز بإعلامها المتفوق وانتشاره، وبمساحة الرأي التي تتسع لمختلف الآراء باتزان غير مسبوق، وكان البعض في زمن مضى يبحث عن الجرائد الكويتية التي تأتي متأخرة نوعاً ما من أجل متابعة ما يجري على الساحة الكويتية والعربية من حراك ثقافي وسياسي، وأيضاً كنا ولا زلنا نعجب باختلاف وتنوع اتجاهات الصحف الكويتية حسب اتجاهات الرأي في العالم العربي، وأيضاً بثراء المسرح الكويتي وتنوعه وبقدراته الفنية المتميزة،...وشهدنا كيف ارتبط هذا التنوع الثقافي والإعلامي والفني السياسي بتطوراته على الساحة العربية، لكن الفرق بين ما يحدث في الساحة الكويتية والساحة العربية أن الكويتيين لا يمكن أن يسمحوا للخلاف السياسي العربي أن يمس استقرارهم الوطني وشرعيتهم السياسية، لذلك تتفق التيارات السياسية بمختلف أطيافها أن الكويت تأتي دائماً أولاً..
ظهر هذا الموقف بجلاء في حرب الخليج الأولى وخلال كارثة احتلال الكويت، والذي اتحدت خلالها القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمختلف اتجاهاتها تحت راية الشرعية التاريخية، ووصلت حدود هذا الاتفاق على سبيل المثال إلى قطع الصلات مع الاتجاهات السياسية الخارجية التي لها امتداد بالداخل إذا استدعى الأمر..على سبيل المثال اختلفت حركة الإخوان الإسلامية في الكويت مع موقف الحركة الأم في مصر تجاه مسألة تحرير الكويت، وصل شق الخلاف إلى حد تغيير مسمى الحركة الحزبي داخل الكويت عندما أصبح الموقف السياسي للحركة الأم سلبياً ضد قضية احتلال الكويت في حرب الخليج الثانية..
كذلك كان الحراك الاجتماعي السياسي، الذي يظهر في أبهى صوره في جلسات مجلس الأمة، وفي تنوعه وتفاعله السياسي المحلي مشهداً مختلفاً عن ما حوله، ويدل هذا الصراع السياسي المنظم على أن الكويتيين بحاضرتهم وباديتهم متفقون أيضاً أن الكويت ستظل أولاً مهما اشتدت حدة الاختلاف في جلسات مجلس الأمة، لكن سيظل هذا التطور النوعي في الوعي السياسي غير مكتمل إذا لم يتم تصحيح الخلل الدستوري بين مجلس الأمة والحكومة الكويتية، إذ دائماً ما ينتهي الصراع بينهما إلى حل مجلس الأمة، والبدء من جديد..وهكذا دواليك...ومع ذلك تعتبر الكويت بتجربتها السياسية الصورة الأكثر تنوراً في الواقع العربي، وتتفوق بمراحل عن لبنان، الذي عصفت به الفرقة الطائفية إلى حالة من التشرذم والانقسام..
جاء قرار الكويت بفك ارتباط عملتها مع الدولار ثم ربطه بسلة من العملات في وقت مبكر وقبل حدوث الأزمة المالية العالمية بفترة زمنية تعتبر نسبياً جيدة، وجاء قبل هذا القرار كثير من القرارات الاقتصادية التي تدل على أن الشفافية تتمتع بنفوذ كبير في البلد الشقيق،... وأخيراً جاء قرار وقف تداولات السوق الكويتية هذا الأسبوع من خلال حكم قضائي على وجود استقلال نوعي في القضاء الكويتي، وأن القضاء استجاب للاستياء الشعبي بسبب هبوط مؤشر سوق الكويت مجدداً، وهي حالة إيجابية وسابقة في المنطقة، وتدل على أن تقدم الكويت في وعيها السياسي وشفافيتها وأنظمتها الحديثة يجعلها في المقدمة برغم من كارثة الاحتلال التي مرَّ بها شعب الكويت..
كذلك لا يخفي على متابع تاريخ القبلية في الكويت ومدى تأثيرات المد القبلي من الجارات على باديتها إلا أن ذلك لم يصل إلى درجة الوقوف ضد مصلحة الوطن، فالقبائل انصهرت في الديموقراطية الكويتية، واستجابت إلى ضرورة التقدم في وعيها السياسي، برغم من أن المخاوف القبلية من الجنوب ظلت عالقة في الذهنية السياسية الكويتية، وظهرت علامات رموز تدل على ذلك قبل فترة وجيزة من الغزو العراقي الذي جاء من الشمال،.. الجدير بالذكر أن القبيلة شاركت في أول انتخابات لمجلس الأمة في عام 1963..ومنذ ذلك الزمن لم يحدث من القبيلة ما يعكر تطور التجربة السياسية الكويتية، بل العكس ظل هذا التفاعل تحت قيادة السلطة في الكويت، والتي كانت ولا زالت حصان العربة الذي يقودها إلى الأمام..
تجربة الكويت تدل على أن المخاوف من القبيلة أو الحزبية الدينية أو الطائفية أو القومية ليست بالضرورة حقيقية، وأن تطبيق المفاهيم الحديثة في ظل هذا الواقع ممكن تطبيقه ونجاحه، وأيضاً يدل أن وجود سلطة عليا في الوطن شيء إيجابي، ويقوم بدور الضامن لنجاح الحراك السياسي داخل الوطن، وهو ما تفتقده التجربة السياسية في لبنان..والتي تحكمها سلطات متعددة الاتجاهات..ولا تخضع لسلطة موحدة كما هو الحال في دول الخليج..
لكن إذا تمت مقارنة مشروعات التنمية البشرية والتعليمية بجاراتها ستميل بوصلة التفوق قليلاً بعيداً عن الكويت، فمثلاً تم تحقيق كثير من المنجزات التنموية في المنطقة، ويشهد الواقع الخليجي تفوقاً واضحاً في المشروعات العقارية والسياحة والصناعات البتروكيماويات وفي الزراعة وانتشار التعليم الأكاديمي وإرساليات البعثات من مختلف المناطق، والذي شهد نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، كذلك لم يعد منتخب الكويت الكروي متفوقاً عن جاراته، وصار الفوز عليه حدثاً عابراً لا يشكل مفاجأة كما كان في السابق..
* مع الاعتذار لمؤلف كتاب (الكويت وجاراتها)