في صباح أول أيامي في (صنعاء).. كنت أقف خلف الجدار الزجاجي العريض: اللامع والنظيف ل(مقهى) الفندق بالدور الأرضي.. لأرى (بانوراما) شاملة للمدينة، كنت أحوج ما أكون إليها.. لعقد (مقارنة) مبدئية عاجلة بين ال(صورة) التي كانت عليها المدينة عندما رأيتها قبل ثلاثة
عقود من الزمان من نوافذ وشرفات فندق (دار الحمد).. وما هي عليه اليوم من خلف هذا الجدار الزجاجي الجميل لمقهى فندق (موفينبك)، وإن كان (الفندقان) قد قدما لي ب(واقعيهما) وإمكانتيهما صورة (مشاهدة)، و(ملموسة).. لتلك القفزة الحضارية التي تحققت ل(صنعاء) عبر تلك العقود.
فهذه صنعاء اليوم، تمتد أمامي.. عبر خطيها الدائريين الجديدين وقد اكتظيا بالمباني الحكومية والأهلي، ودور السفارات والمراكز التجارية، والمصانع والمستشفيات، وقد احتل جانب من تلك البانوراما حرم جامعة صنعاء بكلياته المختلفة.. بينما احتل الجانب الآخر منها مسجد ضخم بمساحته الكبيرة الشاسعة، وفخم ببنائه وقبابه العديدة ومآذنه المرتفعة التي تحتل أركانه الأربع، هو مسجد (الصالحية) أو (الصالح) نسبة للرئيس علي عبدالله صالح.. الذي دعا أبناء العاصمة للإسهام في مشروع لمدينتهم التي يحبونها.. فكان المشروع هو هذا المسجد الرائع الذي تفخر به (صنعاء) دون شك. ولقد كان جميلاً أن تحافظ جميع تلك المباني على النمط المعماري الصنعاني - أو اليمني - في عمومه.
* * *
لم أطل الوقوف أمام تلك البانوراما الجميلة ل(صنعاء).. بأكثر مما ينبغي، فقد كان أمامي في ذلك الصباح أكثر من لقاء مع زملاء المهنة من رؤساء تحرير صحف العاصمة (26 سبتمبر، والثورة.. الرسميتان أو القوميتان بلغة أشقائنا المصريين، وأخبار اليوم.. الأهلية)، قام بترتيبها.. بذكاء ودهاء اليمنيين: الأستاذ محمد شاهر - وكيل الوزارة - حتى يجيبوني على أسئلتي الكثيرة.. فيتخلص ببراعة من حرج الإجابة عن بعضها، باعتبار أن مساحة الحرية التي يتمتع بها الصحفيون في كل الأحوال.. تظل هي الأكبر، مقارنة بما يتمتع به المسؤولون الرسميون سواء كانوا وكلاء للوزارة أو حتى وزراءً..!!
في الطريق إلى لقاء رئيس تحرير صحيفة (26 سبتمبر) الأسبوعية.. الذي سمعت عنه الكثير من التقدير والثناء في جدة كما في (صنعاء)، فهو - كما قالوا - عسكري.. احتفظ بأفضل ما في (العسكرية) من الانضباط وسرعة الإنجاز، وهو مثقف مطلع، ومتابع دقيق لما يدور في اليمن وما حوله، وهو من بين المقربين من الرئيس علي عبدالله صالح.. حتى بدا لي وكأنه على درجة من الشبه بالأستاذ هيكل في دائرة حكم الرئيس عبدالناصر في الخمسينيات والستينيات. إنه العميد الركن علي حسن الشاطر.. مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة، ورئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر.. معاً.
.. كان علينا - مرافقي وسائق السيارة الرئاسية التي وضعت في خدمتي - أن نمر من الخط الدائري الثاني باتساعه.. إلى الأول باعتداله.. ومنه إلى قلب المدينة حيث تضيق بعض الشوارع، وتتلاصق المباني، ويشتد الزحام كلما اقتربنا من (سوق الملح) و(بوابة اليمن) التاريخية الشهيرة.. لننتهي إلى مجموعة من المباني الحكومية الفاخرة والمتجاورة: من مبنى رئاسة الحكومة إلى مبنى (البرلمان) اليمني، ف(مجلس الشورى).. إلى مباني بعض الوزارات ك(الثقافة والإعلام) والمواصلات وغيرها.. لتفاجئني - بالقرب منهم - مباني إدارة (التوجيه المعنوي) و(صحيفة 26 سبتمبر) وسط فناء شديد النظافة والتنسيق، وداخل أربعة أو خمسة مبان يمنية جميلة بروحها وتفاصيلها.. ذكرتني مجدداً ب(انضباطية) وسرعة إنجاز المسؤول عنها، والذي سألقاه في الدور الرابع بعد دقائق أو ثوان.. بأحد هذه المباني.
* * *
في مكتب (العميد).. الرحب، والمنسق أجمل تنسيق، ووسط عبارات الترحيب العربية اليمنية الحارة.. بأداته - وقد انتحينا ركناً من أركان مكتبه - قائلاً: أنت عسكري.. ولكن بأسلوب (فرنسي)..؟
ضحك.. وهو يقول: كيف..؟
قلت له: يروى عن (نابليون) رمز العسكرية الفرنسية.. أنه كان يقول: (إنني أضع مخططاتي.. بأحلام جنودي النائمين).. وهي عبارة عسكرية، ولكنها صيغت بأسلوب أدبي رومانسي فرنسي جميل.
اتسعت ضحكاته.. وهو يقول: لا.. لسنا من هذا المستوى يا أستاذ..!!
قلت: إذاً ما (الجامع) وما (الفارق) بين رتبتي (عماد) و(عميد)..؟
قال: الجامع.. إنها رتب عسكرية، أما الفارق بينهما فكبير. فرتبة (العماد) هي أعلى رتبة في الجيش السوري واللبناني، أما رتبة (عميد).. فهي رتبة فوقها رتب أعلى منها.
قلت ضاحكاً: إذاً دعني أخبرك ب(رتبتي) الصحفية.. فلست رئيساً لتحرير مجلة أو جريدة، ولست مندوباً صحفياً عن أي منهما.
نظر إليَّ بشيء من المكر، ولم يعلق.. ليتواصل الحوار والحديث معه قرابة ساعة أو يزيد.. وقد كان مقدراً له أن لا يزيد عن ربع ساعة للتعارف، والترحيب بي - مجاملة - ككاتب صحفي يزور اليمن.. نظراً لانشغالات (العميد) الكثيرة، التي شعرت بها خلال دقائق انتظاري بمكتب سكرتيره العسكري.. عبر الداخلين إليه والخارجين منه والمنتظرين على مقاعده من أبناء القوات المسلحة في الأغلب.
كان طبيعياً.. وقبل أن أدخل إلى صلب القضايا اليمنية التي تشغلني - والتي كانت من بين حوافزي لقبول هذه الدعوة اليمنية الكريمة - أن استفسر عن رؤيته للعلاقات السعودية اليمنية.. وكيف يراها اليوم؟
فسرني قوله دون تردد.. بأنها في (الأوج) تفاهماً وتعاوناً وتنسيقاً وعلى كل المسارات، لأزيد من جانبي قائلاً: بأنها فرصة ذهبية حقاً في ظل قيادتي: الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس علي عبدالله صالح لبناء أمتن العلاقات وأصلبها.. بعد تلك الزيارة التاريخية التي قام بها الملك إلى صنعاء في الذكرى العاشرة لقيام الوحدة اليمنية، فالزيارة الجوابية التي رد بها الرئيس علي عبدالله صالح.. إلى جدة بعد أقل من شهرين من عودة الملك، والتي فتحت الأبواب لأن ينجزا معاً وفي صيف ذلك العام (2000م).. (معاهدة جدة) لترسيم الحدود بين البلدين الشقيقين والجارين، التي أزالت وإلى الأبد أسباب التواترات بين حرسي الحدود على الجانبين، فالملك عبدالله.. بنقائه العربي وحرصه الإسلامي.. هو الأقدر على التجاوب مع الطموح اليمني في ترسيخ مفهوم علاقات نموذجية مثلى بين البلدين، وأكثرها نفعاً لهما.. خاصة وأن اليمن قد بات قاب قوسين من الدخول إلى منظومة مجلس التعاون.. كعضو سابع كامل العضوية بين أعضائه.
* * *
انتقلت بعد هذا - وقد قاربت بيننا حميمية عربية لم أكن أتصور قيامها بهذه السرعة - إلى الموضوع الذي أكربني كثيراً وطويلاً بامتداد الثلاث أو الأربع سنوات الماضية.. وأعني به (تمرد الحوثي) في منطقة صعدة.. الذي بدأه - لمن لا يعرف قصته - أحد مشايخ (الزيدية) المدعو (حسين بدر الدين الحوثي)، فبدا لي ساعتذاك.. كما لو انه (تمرد) يهدف إلى لفت أنظار الحكومة بلغة العنف والإثارة.. إلى حصة تلك المناطق المنسية في مشاريع التنمية. شيء.. كذلك الذي كانت تقوم به بعض الجماعات في بعض مدن الأطراف من اختطاف للسياح الأوروبيين على وجه الخصوص، بهدف لفت الأنظار أيضاً.. نحو نصيبها المنسي من التنمية، لكن قراءتي الأولية هذه.. لم تكن بأكثر من اكتشاف لرأس جبل الجليد، أما جسم الجبل - نفسه - فقد كان يحوي تدخلات خارجية مؤسفة بعضها عربي يستهدف الشغب على دول الجوار اليمني، وبعضها إسلامي يهدف إلى تصفية حسابات قديمة مع الحكومة اليمنية نفسها.. إلى جانب خلط وعبث ديني واسترجاع لتاريخ مضى عليه أكثر من ألف وأربعمائة عام حول خلافة الرسول (صلى الله عليه وسلم).. يعاني منه فكر هؤلاء (الحوثيين) ويصدقون به أنفسهم، ويتوهمون أنهم قادرون على إقناع الآخرين به، وعندما بلغ السيل الزبى.. قامت الحكومة بدورها في فض هذا التمرد ب(النصح) والأئمة والمشايخ وأعيان البلاد.. ثم بالتسامح والغفران ومنطق عفا الله عما سلف حفاظاً على الأرواح والدماء اليمنية المغرر بها، فلما لم تجد تلك الوسائل نفعاً.. أخذت تتوعد جادة صادقة، فلم يُستمع إليها.. عندها اضطرت إلى استخدام القوات المسلحة للقضاء على هذا التمرد ليصيح (الحوثيون) ساعتها من جبروت تلك القوات أمام (حمل) الحوثيين الوديع!! فتوقف القتال.. وتم تشكيل لجنة يمنية موسعة برعاية (قطرية)، وقد كان يمكن لو كان بين هؤلاء الحوثيين.. عقلاء حقاً.. أن ينتهي التمرد وتبقى مكاسبه، ولكن (اللجنة) وبعد أن وضعت (اتفاقاً) واقعياً عادلاً متسامحاً برضا الطرفين.. أعلنت راعيته (قطر) انسحابها منه، ومن اللجنة ككل.. لعدم التزام الحوثيين بإنفاذ ما جاء فيه..!!
ومعذرة لاسترجاع كل هذه التفاصيل التي كان لابد منها حتى يعلم القارئ حقيقة ما حدث.. ويكون سؤالي بعدها ل(العميد) تسلسلياً ومنطقياً.. عندما قلت له: وأين تقف الحكومة الآن من التمرد الذي مازال يتحرك وإن كان بصورة خافتة؟
قال.. بهدوء وثقة وطمأنينة: تقف خلف اللجنة الرئاسية الجديدة برئاسة وزير الحكم المحلي التي كلفت باستكمال الحوار معهم، ودفعهم إلى تنفيذ الاتفاق.. ولابد من سعة الصدر حتى يثوب هؤلاء إلى رشدهم، ويدركون.. بأنهم بأفعالهم لا ينتصرون ل(مذهب) غداً مشوشاً على أيديهم.. بقدر ما يمتثلون لعمالة.. انتهى عهدها، ولابد أن نتذكر وفي كل الأحوال بأن ل(الديمقراطية) ثمن.. ولنجاح الوحدة اليمنية والحفاظ عليه ثمن.
صمتَ.. وصمتُّ، لأتهامس مع نفسي مكروباً: لكن.. هذا (التمرد)، ومع فراغه الفكري، وسقوطه الوطني، ودجله الإعلامي.. يبقى هماً من هموم (صنعاء)، فإذا أضيف إليه (هم) معارضة أحزاب (اللقاء المشترك) ل(تشكيل اللجنة العليا للانتخابات) من طرف الحزب الحاكم وحده.. رغم انهم كانوا السبب فيه، ف(هم) التهديد بمقاطعة الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في ابريل القادم، ثم ثقل عقد الهموم.. بهم جديد هو (هم) ما يسمى ب(حراك الجنوب) وهي إحدى الحركات الجنوبية المناوئة التي انشقت الأرض عنها فجأة، فإن حالة من الحيرة واليأس.. قد تطبق على النفس، ولكنني عدت لأهوِّن على نفسي قائلاً: يبدو أن ذلك هو قدر صنعاء الذي اعتادته وعرفته عبر تاريخها القديم والحديث، فليست هذه الهموم بأعنف من هموم الستينيات وأوائل السبعينيات.. ومع ذلك خرج صنعاء منها عفية قوية تغذي السير إلى الأمام، لكأنها بذلك تشبه طائر (العنقاء) الاسطوري.. الذي إذا احترق وتحول إلى رماد.. انبعث من رماده مرة أخرى ليحلق من جديد.
* * *
ودعت (العميد).. على أمل بلقاءات أخرى: ربما في صنعاء، وربما في جدة.. لألحق بموعدي الآخر مع رئيس تحرير جريدة (الثورة) الأستاذ علي ناجي الرعوي، فكان علينا أن نودع وسط المدينة وشوارعها ومتاجرها ومعروضاتها التراثية الجذابة، وتلك الوجوه اليمنية السمحاء.. إلى خارج المدينة - تقريباً - حيث مجمع مباني صحيفة (الثورة) ومطابعها ومقار المطبوعات العديدة التي تصدر عنها، لعل أبرزها صحيفة (اليمن أوبزرفر) اليومية الإنجليزية التي أراها لأول مرة، والتي قرأت فيها خبر إنشاء شركة طيران (السعيدة) الجديدة.. برأس مال سعودي يمني مشترك أسعدني، لتتولى النقل الجوي داخل اليمن بينما تتفرغ الشركة (اليمنية) الأم للنقل الدولي الخارجي.. وقد بدأت (السعيدة) فعلاً أولى رحلاتها من (صنعاء) إلى (عدن) في العشرين من أكتوبر أي قبيل وصولي إلى صنعاء بيومين.
كان المجمع مزدحماً بالمباني.. وهو ما يعكس حالة التوسع والتطور التي شهدتها اليمن.. خلال الستة والأربعين عاماً الماضية من عمرها الحديث، فإلى اليمين كان مبنى (وكالة سبأ للأنباء) الشهيرة.. وإلى اليسار كان مبنى صحيفة الثورة بأدواره الخمس التي كان عليَّ أن أصعدها للقاء الأستاذ الرعوي رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة، وقد كانت تلك مناسبة لأن التقي عبر تلك الأدوار بعدد غير قليل من الصحفيين اليمنيين الذين عرفتهم من قبل.. إما في جدة أو في صنعاء، لأجدد العهد بهم ومعهم.
بعد أن جمعنا مكتب الأستاذ الرعوي وسط أجواء صحفية خالصة وبحضور كوكبة من قيادات الصحيفة ورؤساء أقسامها.. كنت أعبر عن إعجابي بالصحيفة وتطورها المهني وطباعتها وعدد صفحاتها التي كانت في ذلك اليوم ثمانية وأربعين صفحة وبالألوان، إلى جانب إشفاقي على إدارتها.. من ثمن الصحيفة المتواضع الذي لم يزد عن عشرين ريالاً يمنياً، وهو ما يساوي أقل من نصف ريال سعودي تقريباً.. وهو أمر لابد وأن يكون مزعجاً لإدارتها حتى ولو كانت الصحيفة تتلقى دعماً حكومياً كبيراً بعينها على موازنة مصاريفها مع إيراداتها، إذ يستحسن أن يكون هذا (الدعم) محدوداً حتى لا تتقلص مساحة الحرية التي تتمتع بها الصحيفة والتي قد تفقدها مصداقيتها، ولكن الأستاذ الرعوي، وهو صحفي مخضرم يملك خبرات واسعة.. طمأنني عندما قال بأن الصحيفة تعتمد على عائداتها من المبيعات، ولكنها تعتمد في المقام الأول على عائداتها الإعلانية.. وإلى حد ما على عائدات تشغيلها لمطابعها في خدمة طباعة الصحف الأهلية.. التي أشار وهو يغمزني بطرف عينه إلى أن بها من (الحرية).. ما يخلع القلب أحياناً..؟!
لقد اكتشفت ساعتها.. بأن الأستاذ الرعوي تم انتخابه ليكون نائباً لرئيس هيئة الصحفيين الخليجية إلى جانب رئيسها المنتخب الصحفي المخضرم والشجاع، الصديق العزيز الأستاذ تركي السديري.. ليحدثني وأحدثه عن الذكريات المشتركة معه، وليدهشني عندما قال بأنه: لولا (الأستاذ تركي).. لكن قد وقعت في اتفاق إعلاني بخس مع إحدى الشركات الإعلانية التي أرادت أن تعلن في الصحافة اليمنية.. كما تعلن في الصحافة السعودية، فقد أعطيتها سعراً متواضعاً.. أو يمنياً للصفحة الواحدة لا يزيد على ألفي دولار.. ليقوم الأستاذ تركي من فوره ب(تصحيح) المبلغ قائلاً: يقصد ستة آلاف دولار..!!
* * *
وسط الضحكات التي أثارتها تلك (المفارقة) السعرية.. قمنا مجتمعين إلى غداء في أحد المطاعم اليمنية الشهيرة في وسط صنعاء.. هو مطعم (الشيباني)، وهو واحد من سلسلة مطاعم تحمل الاسم نفسه في مواقع متفرقة من المدينة، وقد تميز عن غيره من المطاعم.. بما فيها مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية المنتشرة المتعالية بشهرتها العالمية.. بتقديم وجبات يمنية خالصة من اللحوم والأسماك والأرز والدمعات والحلويات.. لا تخطر على البال، وقد غصت فيها.. كما غاص بقية الزملاء دون أن أعرف من (مضيفنا) في ذلك الغداء، ففي صنعاء - كما في غيرها من المدن اليمنية الكبيرة - قد تعرف من هو (الضيف).. ولكن حتماً لا تعرف من هو (المضيف)، فتلك هي جماعية اليمنيين الجميلة.
في ختام الغداء الذي امتد إلى الرابعة عصراً.. اقترح أحد الحاضرين دعوتي إلى (مقيل.. قات) حتى نستكمل حديثنا، فاعتذرت بأني لا أحبه.. ولا أطيق مشهد (الخدود) المتورمة بتجمع أوراقه داخل الفم، ولم ينقذني من إلحاح الأصدقاء والزملاء إلا قولي بأني من رؤية الشاعر العربي الكبير سليمان العيسى.. في (القات) عندما قال:
سُمٌ به وطن الأحرار يقتات
سُمٌ يدمر من عاشوا ومن ماتوا
متى سيعدم هذا المجرم القات؟!
* جدة