من الحقائق البدهية أنّ إضافة خبرة لاحقة في مجرى تفكير الفرد، ومن ثم سلوك الجماعات, لا يتاح لها الفلاح ما لم يمهّد لتلك الخبرات في حال اختلافها الجذري عما اعتاد عليه الإنسان, حتى إنْ لم تكن خبراته ناجمة عن عادة, أو متجذّرة فيه بعرف..., بل هناك خبرات أساس في بنية فكر المرء, قائمة على أصوله العقديّة والقيميّة في الحياة.., كذلك فالخبرات الوافدة لا تحقق بسهولة انزياحاً ناجحاً للتغلغل داخل كيانات الإنسان، فتدفع الموجود من الخبرات لديه إمّا إلى التذويب فالتلاشي، وإمّا إلى الاندماج بها فالتفوُّق عليها.., وإمّا إلى قيام صراعات غالباً ما تظهر في تكتُّلات الأفراد في المجتمعات المستقبلة للخبرات الجديدة, وذلك في حال كونها عامة مقصوداً بها شرائح واسعة، وليست موجَّهة لتنحصر في خبرات شخصية محدودة الإطار.., هناك انصياع عام للخبرات الوافدة حين تكسر لها الأطر، وتلقى لأجلها مفاتيح ضمان بقاء الخبرات الأساس في بحر النسيان من قِبَل الجماعات المهيمنة على مجاديف بحرها, وتوجيه أنسجة أشرعتها نحوها, فإنها مراحل التغيير الكبرى في انتفالات المجتمعات البشرية من سابق خبرة إلى لاحق خبرة..,
المهم من يتخيّر الخبرات العامة ويخطط لها ؟ أليست في الواجهة مؤسسات المجتمع الثقافية والتعليمية والتدريبية؟.. ثم كيف يمكن أن تشاع خطط التغيير إشاعة علنية للجميع ليعرف كلُّ فرد ما يحتاج إليه من الجديد، وما يمكن أن يحتاج إليه فيستعد لتذويب خبراته، أو التخلُّص منها, أو كبّها في البحر, أو حتى الصراع من أجلها, أو استبدالها، وهو يتلقّى ويتلقّى, ويزجّ لقبول غيرها في تيارات قوية، لقسره على غسل ما في عقله وقلبه.. ألا يحتاج المرء للمشاركة والإحاطة ومعرفة أبجديات التغيير، لتكون لديه الحجج القوية على الأقل أمام نفسه، وقادم حواراتها الخفية الجالدة فيه صمته، أو المخرجة فيه صوته، فينجو من خسارة، أو يحمد لاكتساب؟..، إيماناً بأن ليست كلّ خبرة وافدة للمجتمعات البشرية مناسبة لكلِّ مكان، وإنسان، بمثل ما هي مناسبة في مجتمعاتها الأساس.., هناك تساؤلات كثيرة يتطرّق لها المتحلّقون حول كلّ متغيّر جديد، يأتي بخبرة مستحدثة، منها السؤال الرئيس: هل تفيدنا هذه الخبرة ليكون تنازلنا عن خبراتنا البديلة معقولاً ومقبولاً ..؟ أم إنّ علينا أن نأخذ دورنا في طابور أمام جحر الضب ..؟