يا لكثرة من يتباكون وينوحون على أمر البيئة! وينسون أهل البيئة ذاتها! فمن بين بكائياتهم الطويلة التي يجأرون فيها بالشكوى من هول مصاب البيئة لا يقيمون لمعاناة أهلها أي وزن، فموت الإنسان وهو يتضور جوعاً أهون بكثير من أن يحرق طرف غابة، أو تسكب زيتاً في أحد أنهار مدينة ما من مدن يعيش أهلها بين النفايات أصلاً، فالعجب حقيقة في أنهم ينصرفون لشأن النفايات ولا يهتمون بحال من هم بينها يقتاتون للأسف على بقايا ما تلفظه الحاويات العملاقة من بقايا المخلفات والمزابل.
الكثير من الناس لا يسمعون عن البيئة، ولا يعرفون ماهيتها، فلو سئل أي واحد من العامة عن البيئة فلن يجد السائل أي إجابة، فلا غابات، أو إخضرار، أو ربيع إلا في أوقات نادرة كندرة المطر في الصحاري الجرداء.
أما مفهوم البيئة لدينا على وجه التحديد فإنه قد يتمثل برش الجراد، وتصاعد غمامة (الفليت)، وتنقية البرك والمستنقعات في أوقات نادرة مثل أسبوع النظافة، وأسبوع الشجرة، ويوم الطفل، والمرأة، أو من خلال الدعايات في التلفزيون، أو الإعلانات في الصحف عن ضرورة المحافظة على البيئة، وصيانة الطبيعة، بل أن هناك من يتصور أن البيئة هي ما يصور من جوانب الطبيعة الجميلة في المجلات، واللوحات الفنية.
الملاحظ أن الدول الفقيرة وما أكثرها هذه الأيام هي التي تبرز فيها عناصر تعادل البيئة ووجودها الطبيعي، لأن الطرق السريعة لم تزحف إليها كأفاع أسطورية، ولم تقضمها المدن النهمة بحجة الحضارة و(المودرن)، فالريف في الدول الفقيرة والنائية عن مبضع التغير هي من توجد فيها معادلة البيئة والطبيعة الصحيحة.
إذن نحن بحاجة إلى انتداب ممثلين للمجتمع لكي يذهبوا إلى تلك البلاد ويروا أولاً الطبيعة ومن ثم البيئة، ومن بعدها يقررون هل يوجد لدينا طبيعة أم بيئة، لكن على من يكون حساب السفر والحجز والإقامة والحراسات من الأسود والنمور وما سواها من وحوش.. هذا ما لا نستطيع معرفته.
أمر ملفت في هذا المشاهد التلفزيونية أنه كل ما جاءتنا بصور ومناظر الريف ببيئته الخضراء وليست الجرداء خرج علينا وجه الفقر، وبؤس الفقراء في البراري القفر وهم يحاولون افتعال الابتسامات أمام المصورين وآلاتهم، لنجفل من حقيقة أنهم ليسوا معنيين في البيئة بل لا يعرفون إلا كيف يقاومون سطوة الجوع والفقر والعوز والحاجة.
الذين يكتبون ويلحنون ويتغنون في البيئة واحتمالات ضياعها وخرابها تفننوا أيضاً بإطلاق مصطلحات حول البيئة، فقالوا كثيراً عن بيئة الثقافة والفن، وبيئة العمل، وبيئة الفجل، وما إلى تلك البيئات التي تخلط الحابل بالنابل، فلم يعد الإنسان قادراً على معرفة أمر البيئة إلا من خلال هذه العناوين الرنانة: التنمية، البيئية، التثقيف البيئي، الإصحاح البيئي، المستدامة وغير المستدامة، التقييم والتشريع البيئي وما إلى تلك المصطلحات التي تنادي بما لا يملكه هؤلاء البسطاء، وبما لا يعرفون في الأصل عن هذه البيئة، فقد تعيدنا هذه العبارات إلى سؤال شهير: وش البيئة، وما هو هذا الإصحاح.. وش السالفة يا الأخ؟!
hrbda2000@hotmail.com