ما رأيك بشراء ساعة؟ كان هذا اقتراح تقدمت به والدتي بناء على استشارتي لها حول ما ينبغي لي أن أقدمه لزوجتي كهدية بمناسبة عيد الفطر السعيد الذي احتفلنا للتو به. وقد راقت لي الفكرة وعندها علّقت بقولي: (سأمضي لأشتري واحدة من أحد المحلات القريبة من المنزل).
وأجابتني والدتي بنبرة حادة قالت فيها: (إن ذهابك إلى المحلات القريبة ليس خياراً جيداً، بل يجب عليك أن تبتاع واحدة من المحلات التي تبيع ساعات عصرية تتماشى مع الموضة، وذات ثمن غال).
وهذا الحوار المقتضب بيني وبين والدتي قادني إلى التفكير في موقفنا نحن السعوديين تجاه الوقت. وما دعاني إلى التفكير فيه تحديداً عنصر التناقض في موقفنا، فنحن نرغب في اقتناء وإهداء الساعات الجميلة غالية الثمن التي تنتجها أفضل بيوتات الساعات العالمية، وفي الوقت نفسه أجد أننا لا نكترث كثيراً بأهمية وقيمة الوقت باعتباره واحداً من أولويات الحضارة المعاصرة، وبخاصة ونحن نعيش في عصر السرعة. فبينما نجد شعوب الأرض قاطبة تولي أهمية قصوى للوقت وتسعى جاهدة لاستثمار ثوانيه ودقائقه بالمفيد، نجد أننا في المقابل نحمل موقفاً مغايراً تماماً نترجمه بعدم الجدية، والاهتمام، وكذلك بالنظر إلى الوقت من منظار لا يراه كنزاً غالي الثمن وهو الموقف الذي يمكن تلمسه على مختلف الأصعدة الرسمية وغير الرسمية، وعلى المستويين الفردي والجماعي.
ويمكن أن نقوم باستعراض بعض الممارسات الاجتماعية التي تجلّي موقف الفرد السعودي بعامة تجاه الوقت والتي منها أن المواعيد ليست نهائية وحاسمة، وأن الزيارات العائلية، ومقابلة الأصدقاء المتعددة وغير المجدولة لا ينظر لها على أنها خلل في تقدير قيمة الوقت، وإهدار للحظاته الثمينة، بل على العكس هو في واقعه استغلال مثمر للوقت، ونجد كذلك من ضمن الممارسات الاجتماعية التي توحي بعدم تقدير قيمة الوقت أن المرء يعاب عليه حين ينظر إلى ساعته أثناء اللقاءات الاجتماعية في إشارة منه لمعرفة الوقت الذي استغرقه هذا الاجتماع، وربما في إشارة إلى أن اللقاء طال من غير تحقيق فائدة تذكر. ونجد أيضاً أن التخلف عن الموعد، أو الحضور متأخراً يظل أمراً يقابل بالاستياء، ولكنه لا يمثل أمراً لا يطاق، وأنه تصرف غير حضاري. ومما يدعو للاستغراب أن الحضور في الوقت المحدد ربما يفهم منه أن حرص المرء على القدوم في الوقت المحدد غرضه كسب رضا الشخص الذي سيقوم المرء بمقابلته، لا الرغبة في الالتزام بالوقت المحدد مسبقاً. وممارسة اجتماعية أخرى نراها ماثلة في أنه إن لم يكن هناك موعد تم تحديده مع شخصية مهمة، فإن عدم الحضور، أو في أحسن الأحوال الحضور متأخراً أمر مقبول اجتماعياً، ومما يدل على عدم احترامنا للوقت أنه يمكن أن يتم تغيير المواعيد المحددة سلفاً بشكل مفاجئ من دون إخبار أصحاب العلاقة بوقت كاف.
وقادني التفكير ملياً في هذه الظاهرة الاجتماعية بصنوف ممارستها السلبية التي تم استعراض بعض منها آنفاً إلى محاولة تتبع منبع وسبب هذا التوجه الاجتماعي الذي يبدو متناقضاً. وعلى الرغم من إعمالي الفكر ملياً في محاولة تفسير هذه الظاهرة إلا أنني أعترف أنني لم أعثر على جواب شاف وكاف، ومع ذلك يمكنني طرح مجموعة من التفسيرات التي أجدني في موقف يصعب معه الجزم بصوابها، ولذا أرى أنه يجب أن يُنظر لها في إطار محاولة مجتهدة يمكن قبولها، أو رفضها. ربما أن هذه الممارسة الاجتماعية غير المحببة تم نقلها إلينا من أجيالنا السابقة الذين عاشوا في صحراء شاسعة الأطراف جعلت من الترتيب والتنسيق، وجدولة الأمور، وحساب الوقت بدقة تأتي في آخر اهتماماتهم.
ثم إن تركيبة النشاط اليومي للفرد السعودي المبنية على قبول الحياة كما هي ربما تكون أيضاً سبباً آخر في تولد هذه الممارسة الاجتماعية المتمثلة في عدم إعارة الوقت الأهمية والمكانة التي يستحقها.
ومن هنا فعندما تسير الأمور بعكس ما تم التخطيط له، فليس هناك داع للقلق والانزعاج. وهذا ربما يكون مرده إلى أن فلسفة الفرد السعودي تجاه الوقت أنه شيء مشترك مشاع وليس أمراً ثميناً يجب الحفاظ عليه. وإلى جانب يكمن رد هذا السلوك الاجتماعي إلى عدم إدراكنا لأهمية الوقت في حياتنا، وكذلك عدم المعرفة بأدوات، وأساليب تنظيمه، وعدم وجود إرادة قوية لتنظيم الوقت، وجعله نمط حياة يشكل الخط العريض لحياة المرء اليومية، وكذلك يعود إلى وجود خلل في خلق التوازن في حياة الإنسان يجعله قادراً على إحداث توازن سليم بين الواجبات، والرغبات، والأهداف.
والأسئلة التي نحن بحاجة إلى الإجابة عليها هي ما هي النتائج المترتبة على موقفنا السلبي تجاه الوقت؟ وماذا يحمل لنا المستقبل إن استمررنا على هذا المنوال؟ والجواب على هذه التساؤلات أن ذلك يؤدي إلى نتائج سلبية، وبخاصة على الاقتصاد الوطني، وذلك بسبب أن الكثير من الخطط والبرامج يتم تأخير موعد تنفيذها، أو ربما إلغاؤها مما يترتب عليه خسائر فادحة لا يدرك حجمها إلا من لهم تماس مباشر مع تلك المشاريع والخطط التنموية، والناتج السلبي الآخر يمكن أن نراه أيضاً في بطء وتيرة الإنتاجية في قطاع الأعمال والمال، ونجد كذلك أن تأثيره السلبي ينعكس كذلك على المستوى الشخصي المتمثل بعدم احترام أوقات الآخرين. وكذلك مساهمته في إخفاق المرء في تحقيق ما يصبو إليه من مرام ومساع تتطلب أخذ عامل الزمن بعناية فائقة. كما أن ذلك يؤدي إلى زيادة في الضغوط النفسية على المرء، وتقليل الكفاءة في الإنتاجية، والتأخر في إنجاز المراد تحقيقه، وتكاثر الأخطاء.
وفي قراءة استشرافية في محاولة للإجابة عن سؤال يمكن طرحه يتمثل في هل سيستمر الفرد السعودي في موقفه المتناقض تجاه الوقت؟ أجدني ميالاً إلى القول إن طبيعة عصرنا الحاضر الذي يمتاز بالسرعة، والنظر إلى الوقت على أنه ثروة ثمينة سيجعل الغالبية العظمى من أفراد مجتمعنا مضطرين إلى النظر إلى الوقت من خلال الزاوية نفسها، وسيأتي الوقت الذي سيدرك الجميع أن الوقت مصدر يعلو في قدره ومقامه كل أولية فهو مورد غير قابل للتخزين، فاللحظة التي لا نعمل استغلال لحظاتها بالمفيد، تفنى ولا يمكن بحال استعادتها ومن هنا نكون قد خسرنا ثروة لا تقدر بثمن.
دعونا نحلم بل تمنى أننا في القريب العاجل سنعيد النظر في نظرتنا السلبية تلك تجاه الوقت، والتعامل معه بشكل أكثر إيجابية، وألا ننتظر فقط ولادة لموقف جديد يتمخض عنه حوادث تدفعنا دفعاً إلى إدراك أهميته، وتقدير قيمة الوقت الكبير. كما أتمنى أن يسعى كل منا للعمل على نشر وإشاعة ثقافة احترام الوقت ضمن محيطه الصغير وذلك من منطلق أن الوقت مورد شديد الندرة، وغير قابل للتعويض، وأنه واحد من الأمور التي عملت أمم الأرض قديمها وحديثها شرقها وغربها على استثماره واستخدامه فقادها ذلك إلى درجات عليا في سلم النهوض والتقدم. وحينها أتمنى أن نتجاوز موقفهم ونظرتهم تجاه الوقت بأنه بمثابة رأس المال (Time is Money)، إلى موقف خاص بنا يرى الوقت بصورة أعم وأشمل ذلك نسوق من خلاله موقفاً يرى الوقت هو الحياة(Time is Life).
alseghayer@yahoo.com