د. حسن الشقطي *
بـ4880 نقطة أغلق سوق الأسهم خاسراً حوالي 605 نقاط أو ما يعادل 11.3% من مستواه في الأسبوع الماضي.. ولا يزال المسار الهابط العنيف مستمراً ومتواصلاً في نطاق الأزمة المالية العالمية المستفحلة منذ بداية أكتوبر الماضي.. إلا أن أزمة السوق تكاد تكون قد خرجت عن نطاق التأثر بهذه الأزمة فقط إلى أزمة نزيف أسعار النفط المترتبة على الأزمة العالمية.. كما أن هناك أزمة أخرى أشد وطئا في السوق الآن وهي أزمة افتقاد صناع السوق؛ حيث إن امتناع هؤلاء الصناع عن الدخول أو مساندة المؤشر حتى رغم المستويات الجاذبة والمغرية التي وصلت إليها غالبية الأسهم في السوق، يضع المؤشر في مهب الريح.. بل حتى المضاربات التي تتم في السوق الآن إنما تعد بمثابة تحركات ضعيفة النطاق من حيث الكميات وعدد الصفقات.. إن السوق يفتقد الآن لأي ثقة في مؤشره أو في أسهمه.. والتساؤل الذي يطرح نفسه على كل مستثمر يفكر في الدخول في السوق الآن هو (إذا كان الهبوط عنيفاً وقيمة مؤشر السوق متدنية جداً، وإذا كانت أسعار الأسهم وصلت إلى قيعانها، فهل هناك ما يضمن أنه لن يكون هناك هبوط ثان وثالث وربما رابع فيها؟ بل هل الدخول أو الشراء مرتبط بالقاع مهما كان متدنياً أم مرتبط بأن يكون هذا القاع هو الأخير؟ فسابك انحدرت من 181.75 في بداية هذا العام إلى 50 ريالاً، فهل ذلك الهبوط كافٍ للدخول فيها؟ أم أن هناك اعتبارات أخرى تؤخذ في الاعتبار!
تسارع الاضطرابات.. وغياب الشفافية والإفصاح
أكبر مشكلة تواجه سوق الأسهم المحلي ككافة الأسواق الإقليمية الأخرى تتمثل في انعدام الوضوح وتجاذب الرؤية وتباينها من يوم لآخر ما بين انهيارات لمصارف وهيئات استثمارية عالمية ونزيف في أسعار النفط، وركود اقتصادي بدأ يحتد في الاقتصاديات العالمية الرئيسية.. ثم اعتراف دولي بعدم مناسبة النظام الاقتصادي العالمي ككل لمواجهة مثل هذه الأزمة وبدء اتخاذ خطوات فعلية لإعادة ترميمه.. ومع كل ذلك يأتي جانب أكثر خطورة وهو انعدام الشفافية والوضوح سواء بتعمد أو بدون تعمد في التعرف على طبيعة تأثير كل ذلك على الاقتصاد الوطني بوجه عام وسوق الأسهم بوجه خاص.. فحتى الآن لا توجد دراسات عميقة يمكن أن تفيد في هذا الشأن، كما لا يوجد إفصاح يمكن أن يضع النقاط على الحروف بالنسبة لحجم الخسائر أو حجم الارتباطات الحقيقية للمؤسسات المحلية مع العالم الخارجي.. ويقف المستثمرون في سوق الأسهم موقف المتفرج الخائف من جراء المفاجآت غير السارة في المستقبل.
أسعار النفط.. تفقد 22 شهراً من حياتها
الإعلان عن افتقاد أحد أكبر ناقلات النفط قريباً من سواحل الصومال خبر كان يتوقع له أن يلعب دوراً مهماً في إيقاف نزيف النفط، رغم أن وجود تكهنات حسب تجارب الماضي بأن يرتد السعر العالمي للنفط لأعلى من جديد بفعل المخاوف من انقطاع جزء من الإمدادات أو نتيجة مخاوف تكرار عمليات القرصنة على ناقلات النفط، إلا أن الأمر المستغرب أن المتعاملين في الأسواق لم يستجيبوا لهذا الحدث، وأن أسعار النفط واصلت تراجعها إلى 53.6 دولار للبرميل.. وعليه، فإن التكهن بالوصول إلى مستوى الـ40 دولاراً بات مسألة وقت.
ميزانية العام الجديد
التراجع الحاد في أسعار النفط فتح الباب للحديث عن ضاغط جديد على سوق الأسهم، وهو ميزانية العام الجديد وكيف يمكن أن يكون القدر في تحفظها؟ يقال إن ميزانية العام الماضي بنيت على أساس أسعار متحفظة للنفط عن 40-50 دولاراً، ومن ثم فإن كسر أسعار النفط لـ40 دولاراً، سيحتم صياغة ميزانية أكثر تحفظاً لعام 2009 عند أسعار في حدود 20 دولاراً، أي أن هناك تقليصاً سيكون في حدود 50% لجانب تقدير الإيرادات؛ ما سيضغط جانب المصروفات بذات القيمة، ومن ثم ستخضع الميزانية تلقائياً لسياسة انكماشية في وقت الاقتصاد أحوج ما يكون فيه للانتعاش، ولكن يظل تصريح خادم الحرمين الشريفين بضخ ما يتجاوز الـ400 مليار دولار للاستثمار في القطاعين الحكومي والنفطي خلال الخمس سنوات القادمة مصدر اطمئنان بالاستمرار في اتخاذ السياسات الاقتصادية الضرورية ليواصل الاقتصاد الوطني مسيرة النمو المستقبلي. ولكن نطاق التوسع في النشاط الاقتصادي لن يكون كبيراً، بل سيمثل كل ذلك تأثيراً سلبياً على نمو الشركات وبالتالي نتائج أعمالها، ومن ثم سيمثل أداة ضغط جديدة بشكل يدفع أسعار الشركات (الكبرى) إلى مستويات ما دون الحالية بنسبة تصل من 25 إلى 50%، وبالتالي مؤشر السوق معرض أيضاً للهبوط بذات هذه النسبة.
تعزيز الثقة في حركة التداول
في ضوء المعطيات السابقة ترسخ مفهوم الضعف في السوق، حيث إنه على مدى الأسبوع الثاني لم تزِد السيولة اليومية المتداولة على 6 مليارات ريال، وهو مستوى متدنٍّ يمنع تعزيز الثقة في حركة التداول.. ويحتاج إلى تدخل من الجهات ذات الثقل الاستثماري في السوق لدفع هذه السيولة إلى مستوى يمنع نزيف المؤشر على الأقل حتى تهدأ الأزمة العالمية. وإذا كانت مرحلة خروج أو امتناع صناع السوق خطيرة على السوق، فإن خروج المضاربين هي أشد خطورة عليه.
فشل تقديرات صفقات الاستحواذ للقياديات في 2008
من الأمور الغريبة في إغلاق الأربعاء اقتراب الرؤوس بين أسعار الراجحي وسامبا وسابك والاتصالات في حدود 50-57 ريالاً، وذلك بشكل يعطي انطباعاً سلبياً بأن الجميع سائر لخسائر كبرى بصرف النظر عن هويته.. ويرجع ذلك إلى أن غالبية هذه القياديات اتخذت قرارات مصيرية بالدخول في صفقات ضخمة تفاؤلاً بالانتعاش الاقتصادي الذي ابتدأ في المملكة منذ يناير بقوة ارتفاع أسعار النفط، فعلى سبيل المثال سابك والاتصالات دخلا في صفقات شراء أو استحواذ.. اليوم تعد أدوات للضغط نتيجة تباين الأوضاع بحيث قد تتسبب هذه الصفقات في إحراز مزيد من الخسائر لهما.
القياديات.. وتوقف الضغط عليها
إن هبوط القياديات بات أمراً قاسياً، إلا أنه مع ذلك لا يزال هناك فرق بين أسعارها السوقية وقيمها الدفترية.. فسابك لا يزال هناك فرق بين سعرها السوقي (50) وقيمتها الدفترية (34)، وأيضا سامبا سعرها (57) وقيمته الدفترية (21).. أما الراجحي فالفرق أكبر، حيث إن سعره (55) وقيمته الدفترية (17).. ومن ثم فلا يزال لدى الباحثين عن القيم العادلة مبرر للضغط على أسعارها السوقية.. نعم هؤلاء الباحثون هم بعض كبار الصناع الذين يضغطون على أسعار هذه القياديات لتلقفها بأسعار أدنى ربما يتجهون بها إلى قيمها الدفترية.. ولكن هل يتحمل هؤلاء الصناع خسائر هذا الضغط؟ بالطبع لا يتحملون شيئاً؛ لأنهم لا يمكن أن يضغطوا بهذا الشكل إلا وهم خارج السوق.
مسار النشوة قادم لجذب الخائفين
رغم كل ما يحدث في السوق من هبوط ورغم التوقعات بتمادي المسار الهابط في مستواه لكي يبلغ مستويات جديدة غير مقبولة، ورغم أن هذا الهبوط ربما يكسر مستويات ألفية جديدة غير الـ5000 نقطة.. إلا أنه كما حدث في مستوى الـ6767 نقطة عندما ارتد المؤشر حتى وصل إلى 11895 نقطة في مسار صاعد لجذب كل الخائفين نتوقع أن يكون هناك مسار صاعد، ولكنه لن يتخطى مستوى الـ6767 نقطة (القاع السابق) هذه المرة بأي حال من الأحوال.. ويتوقع أن يكون هذا الصعود مؤقت ولن يستفيد منه سوى المحترفين.
* محلل اقتصادي
hassan14369@hotmail.com