حاوره - ماجد بن عبدالله الزعاقي
فنَّد فضيلة الدكتور سعد بن مطر العتيبي الأستاذ المساعد بقسم السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعض الشُّبَه وما يثار بشأن علاقة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحقوق الإنسان، وقال فضيلته إن هناك من يسيء توظيف مفهوم حقوق الإنسان ليصور أن هناك تصادما بينه وبين شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى خيلوا إلى العامة وربما استطاعوا إقناع بعض السذج بأن عمل الحسبة يتعارض مع حقوق الإنسان من خلال وقائع ميدانية لا تعدو أن تكون خطأ أو إساءة استعمال من البعض
وبيّن فضيلته أن الحديث عن ولاية الحسبة وحقوق الإنسان له جذوره العقدية والفقهية والاجتماعية، التي تمثل قواعد جوهرية ينبثق منها النظام العام، وهو النظام الذي تم تدوينه في النظام الأساسي للحكم، وأردف فضيلته: فاتصال حقوق الإنسان بالتكليف الملزم ضمانة عدل لا توجد فيما يُعرف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي قابلته الدول الإسلامية بإعلان القاهرة لحقوق الإنسان.
وقال فضيلته: يحضرني في هذا الشأن ما قرره العلامة محمد الدريني بأن التكليف الشرعي تشريف بما يستلزم الحرية، يوجهها ويدعمها، وينسِّق فيما بينها عند التعارض بين الحقوق العامة والحق الخاص، فحقوق الفرد لا يجوز أن يتسامح فيها على حساب حقوق الجماعة، وذلك بتشريع إلهي - من ضمن ولاياته التنفيذية ولاية الحسبة - حيث وُجد فيه الإنسان ليكون حراً من آثار نوازع الهوى الجامح والغرائز الحيوانية، ولتصبح الفضيلة فيه سجايا نفسية وروحية، أثراً لعقائد الإسلام وتعاليمه وتوجيهاته، قبل أن تكون قواعد دستورية.
وخلص فضيلته الى ان الإنسان بمقتضى التشريع الإسلام - الذي تقوم عليه بلادنا - هو إنسان التكليف والمسؤولية قبل أن يكون صاحب حق وحرية، ولهذا لا يملك الإنسان إسقاط حقه في الحياة، فحياة الإنسان ليست ملكاً خاصاً به، وهذه حقيقة موجودة حتى في بعض القوانين الوضعية التي تجرّم الانتحار مثلا مع أن الظاهر أن هذا التجريم يتعارض مع الحرية بالمفهوم الذي يشغّب به خصوم الفضيلة.
وبين فضيلته أن هذا النوع من الفلسفة التشريعية في نظريته العامة، ليس خاصا بالمجتمعات المسلمة، ولا بالمملكة العربية السعودية وحدها، ولا بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها، وإنما هو قيد مهم تبني عليه الدول كل ما يتعلق بالممنوعات مثلا، وتؤسس عليه مجموعة من القوانين والتعليمات الملزمة، كل ذلك حفاظاً على المصلحة العامة، وإن جماع حقوق الإنسان - أي إنسان كان - لا تخرج عن ثلاثة عناصر رئيسة: الحرية، والعصمة، والملكية. وهذه الحقوق تسهم في حفظها مؤسسات عديدة منها: هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل هي من أهم موضوعات: الحسبة، في كتب الحسبة في التراث الإسلامي.
وشدد فضيلته في معرض حديثه على أهمية التفريق بين وقوع أخطاء تطبيقية من بعض العاملين في الميدان وبين مبدأ الاحتساب وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأول أمر وارد، ولا سيما أن من يكون تعامله مع الجمهور قل أن يسلم من إشكالات حقيقية أو ملفقة، ومهما يكن من أمر فلا يجوز أن يستند إلى أخطاء بعض الأفراد في التقليل من شأن مبدأ شرعي أو التشغيب على ولاية إسلامية تحت أي شعار استهلاكي أو دعوى باطلة.
وأورد فضيلته بعض الإجراءات التي تنتهجها بعض الدول الغربية في تقيد الحريات متى ما رأت ذلك وقال إن مثل هذه الأمور التي يقال إن ضبطها يتعارض مع حقوق الإنسان تعامل في بلاد حملة هذه الشعارات بمعاملة مشابهة، وقال فضيلته سأكتفي بذكر مثالين يشترك في تجريمهما الشريعة والقانون:
الأول: قرار فصل موظفة من أحد البنوك، لأنها كانت تلبس لباساً يكشف جزءاً من صدرها أثناء العمل وقد حكمت محكمة فرانكفورت بصحة هذا القرار، وأبطل دعوى الحرية الذي تقدمت به تلك الموظفة ومحاميها، لتعارض ذلك مع المصلحة العامة والحق العام.
والثاني : تأكيد البيت الأبيض ضرورة احترام قوانين الملابس المحتشمة ومنع البيت الأبيض السماح لدخول غير المحتشمين والمحتشمات - وفق مفهومهم - والتشديد في منع انتعال الصندل وكذلك (الشورتات والجينز) والقمصان الرياضية ويشمل المنع ممثلي وسائل الإعلام وذلك بغض النظر عن الظروف المناخية.
واعتبر الدكتور العتيبي أن هناك نوعا من التناقض لدى بعض الحريات غير المنضبطة بقوله: كثير من دعاة حقوق الإنسان، كأدعياء تحرير المرأة، تثيرهم الأحكام الشرعية على المجرمين ولا تهز ضمائرهم الجرائم التي تنتهك بها حرمات الأبرياء ذكوراً وإناثاً.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن ولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء من الولاية التنفيذية الشرعية في الدولة الإسلامية، وتقوم على بيان المعروف للناس وتوجيههم إلى فعله، والتحذير من المخالفات وضبطها في حال وجودها، واتخاذ ما يلزم بشأنها في إطار ولايتها وسلطتها التنفيذية، فهي على أقل تقدير: كأي جهاز يحفظ القانون في أي دولة.
إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر