Al Jazirah NewsPaper Friday  21/11/2008 G Issue 13203
الجمعة 23 ذو القعدة 1429   العدد  13203
حمود (الفرج).. كم فرّج من الكروب!
محمد بن عيسى الكنعان

الكتابة عن الأموات ليست تأريخاً فحسب، كما أن رثاءهم شعراً أو نثراً بذكر المناقب والسير الحميدة ليس إعلاماً اجتماعياً أو مجاراة لإعلانات النعي، إنما (شهادة) نتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى طلباً للرحمة والمغفرة بعبده الفقيد، ف(الناس شهداء على موتاهم) كما في الهدي النبوي، خاصةً إذا كان الميت من أهل الخير والفضل والصلاح.

بالأمس القريب جداً ثُكلت منطقة حائل بواحدٍ من وجوهها الخيرّة وأبنائها البررة، الذين عطروا سيرهم الذاتية في مشوار حياتهم العملية بالأعمال الخيرية العامة، والخدمات الإنسانية السامية، والمشاركات الاجتماعية الجليلة، عندما فُجعت بوفاة (الشيخ حمود بن معجل بن عبدالله الفرج)، أحد رجالات المنطقة الفضلاء وأعيانها الأوفياء، الذي وافته المنية يوم الخميس الأول من ذي القعدة لعام 1429هـ الموافق (30 أكتوبر 2008م)، بعد عمر حافل بالعمل العصامي، وطلب الرزق الحلال، والإنفاق بوجوه الخير و(تفريج) كربات الناس، فكان الاسم على المسمى (الفرج)، فحائل بأهلها ومرافقها وأرضها وتضاريسها تتغنى بهذا الاسم وتبكيه في نفس الوقت، تتغنى به فخراً لأنه يعكس (العطاء الإنساني) في أبهى صوره، وتبكيه ألماً لأن وفاته تجسد خسارة (يد بيضاء) طالما امتدت إلى الفقراء والمساكين وأهل الحاجة والمرضى، لذا سيبقى هذا الاسم الخيري (حمود الفرج) محفوراً بنقش الحقيقة في ذاكرة حائل، فكيف تنساه وهو من سقى قراها العطشى، من خلال مشروعه الكبير (سقاية بادية صحراء النفود الكبرى) الذي تبلغ تكلفته (10 ملايين ريال)، بل كيف تنسى حائل من تبرعاته الخيرية تسبق حساباته الشخصية، سواءً على مستوى العطاء المادي أو التبرع المالي، فلقد تبرع للجمعية الخيرية ببناية (عمارة) من خمسة طوابق تتجاوز قيمتها (5 ملايين ريال) مع مصاعدها الكهربائية، وكذلك بناية أخرى لجمعية تحفيظ القرآن الكريم مؤكداً عنايته المستمرة بكتاب الله، كما شيّد مقر جمعية أجا الخيرية النسوية بتكلفة أكثر من (مليون ريال)، بل إن هذا الخير المتدفق تجاوز المدينة إلى المحافظات، فتبرع - يرحمه الله - بتكاليف إنشاء مبنى إدارة الجمعية الخيرية بمحافظة الغزالة ومسجدها ومركز إفطار صائم، كما تكفل بتكلفة البناء الهيكلي للجمعية الخيرية بمحافظة جبة، أما على المستوى المالي فإن للشيخ حمود الفرج القدح المعلى في دعم الجمعيات الخيرية بمبلغ يتجاوز الـ(700 ألف ريال) سنوياً.

ولأن (الفرج) لا يقف عند النمط التقليدي في أعمال الخير، بل يتجاوزه إلى فتح كل الآفاق الممكنة في قنوات الإنفاق المحمود، لذا كان للفقيد - عليه رحمة الله - دوره الخيري الجليّ في المجال الصحي الذي يذكره أهل حائل، خاصةً المرضى منهم، فمن لا يذكر تبرع (الفرج) بوحدات غسيل الكلى للعديد من مستشفيات المنطقة، من لا يذكر أنه تكفل بإنشاء أكبر عيادات استشارية تخصصية لتخفيف معاناة المرضى بالسفر إلى مناطق أخرى للعلاج واستباق مضاعفات المرض بالكشف المبكر، فضلاً عن تبرعه بـ(215 جهازاً طبياً) بمبلغ 380 ألف ريال، وكذلك أجهزة وحدة العلاج الطبيعي لنادي الطائي، كما كان له إسهامُ لا ينكر في الوسط الاجتماعي، وبالذات ما يتعلق بالسجناء المفرج عنهم، فقد تبرع لجمعية المحتاجين منهم بمبلغ 100 ألف ريال، إضافةً إلى أنه تكفل بتجهيز وتموين مباسط ضمن برامج الرعاية التي تقدمها سوق الخضار لصالح اللجنة الوطنية لرعاية السجناء المفرج عنهم.. هذه الأعمال الخيرة والعطايا الجليلة وغيرها مما هو غير معروف بين الناس أو غير معلن في الإعلام، كانت كفيلة في حصول الشيخ حمود الفرج على الجائزة الأولى للأعمال الخيرية بحائل عام 1424هـ، وهي رمزية في معناها، لأن جائزته الكبرى والحقيقية - إن شاء الله - في قبوله - عليه رحمة الله - مع الصالحين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا، فقد كان مثالاً للتاجر الصالح والمنفق نحسبه كذلك والله حسيبه، من واقع سيرته الحميدة التي بدأها مع والده عليهما رحمة الله، في تجارة البضائع من الشام والعراق إلى حائل، ثم انتقاله إلى الرياض عام 1380هـ لينطلق في تجارته الخاصة، من خلال قيصرية (ابن كليب) الموجودة في منطقة الديرة وسط العاصمة، حيث تطورت تجارته وعلاقاته الاقتصادية من البلدان العربية إلى الأوربية واليابان.

هذه الصفحة المشرقة على جبين الوطن، المتجسدة بشخصية الفقيد حمود بن معجل الفرج، ألا تستحق أن ُتكتب سيرتها بماء الذهب، وتروى جلال أعمالها لأجيال الغد، ألا تستحق أن يزدان بها أحد صروحنا التعليمية أو جمعياتنا الخيرية أو مؤسساتنا التجارية، بتقديري أن الجواب لدى من ضاقت بهم الكروب فوجدوا يد (الفرج) توسع عليهم من رزق الله.. رحم الله فقيدنا رحمة واسعة.



Kanaan999@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد