معارضو التقسيم والمدافعون عن عروبة العراق، وخصوصاً من أبناء الطائفة الشيعية، يرون أن معركتهم ليست إسقاط اتفاقية خروج القوات الأجنبية من العراق (الاتفاقية الأمنية الأمريكية - العراقية)؛ فهذه الاتفاقية، رغم جملة التحفظات العراقية عليها، إلا أنها معركة محسومة النتائج؛ لأنها خطوة مفروضة من أمريكا صاحبة القرار النهائي في هذا الموضوع، وهي، وإن لم تعلن رسمياً فشل مشروع الاحتلال الأمريكي للعراق، إلا أنها تؤرخ لمرحلة يجب الانتباه لها، وهي عدم نجاح خطط إدارة بوش لتحويل العراق إلى قاعدة انطلاق لفرض فكر المحافظين الجدد في الشرق الأوسط، وفق ما روّج له من مشروع الدمقرطة والشرق الأوسط الكبير وغيرهما من المشاريع التي هدفها تعزيز هيمنة إسرائيل وإضعاف وتمزيق العرب؛ ولذلك فإن لهفة هذه الإدارة على توقيع الاتفاقية مع العراق قبل أن تغادر البيت الأبيض هي بمثابة هزيمة للفكر السياسي والاستراتيجي لهذه الإدارة، وهي بمثابة حفظ ماء وجه لكل أركان الإدارة السابقين والحاليين من بوش وديك تشيني ورامسفيلد وكولن باول وكونداليزا رايس وكل (الحزمة) التي ورطها المحافظون الجدد وخاضوا المغامرة الفاشلة في العراق، والتي يعمل الأمريكيون بكل الوسائل على انتزاع ثمن لهذه المغامرة من العراقيين يعوض الإخفاق الذي فرضته عليهم المقاومة العراقية التي تعد حتى الآن أحد اللاعبين الرئيسيين على الساحة العراقية.
ولهذا ولأن المهتمين بالشأن العراقي، وخصوصاً الذين يعملون من أجل بقاء العراق موحداً ومحافظاً على انتمائه العربي، يعرفون أن الاتفاقية لن تغيّر من واقع المعادلات القائمة الآن على الساحة العراقية؛ لأن كل اللاعبين الرئيسيين الذين لهم حضور وفعل في تغيير خريطة الأحداث ينشطون جميعاً لفرض أجنداتهم والعمل على رسم تطورات المستقبل في العراق في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاقية، أما في مرحلة ما بعد الاحتلال فالصراع الآن محتدم وشرس بين ممثلي وقيادات القوات الأمريكية، وقوات حكومة المالكي، والوجود الإيراني بأدواته العسكرية والأمنية والسياسية والطائفية بما فيها الأحزاب الشيعية، وخصوصاً أحزاب الدعوة والمجلس الأعلى والصدريين، إضافة إلى تركيا وامتداداتها العرقية ومحاولات غير نشطة لدول الجوار العربية، وأخيراً العامل الدولي الذي ينشط في فترات، ويكتفي بالمراقبة والتحليل في معظم الفترات.
ويرى المحللون أن جميع هذه الأطراف وعوامل فعلها وتحركاتها هي في الواقع العراقي الحالي تابعة ومعتمدة في رد فعلها على ما يحصل في الداخل العراقي، ونقصد بالداخل العراقي، هو أن ما يتحدد ويرسم للعراق، وبعد أكثر من خمسة أعوام من الاحتلال، أصبح (يصنع في العراق)؛ فالذي يريده العراقيون هو الذي سيفرض نفسه، ومع أن نفراً كبيراً من العراقيين تقودهم الأحزاب الطائفية والعرقية فإن ذلك لا يلغي تأثير الجماعة الأكبر المؤثرة من العراقيين، وهم قسمان: قسم منخرط ويعمل مع المقاومة الوطنية العراقية، وقسم متعاطف معها، وإن لم يشارك في عملياتها، خصوصاً بعد التشويه الذي لحق بهذه المقاومة بعد تنامي شبهات الانحياز الطائفي.. والآن وبعد تخلص المقاومة الوطنية العراقية من شبه الانحياز الطائفي وفشل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق في ظل الاحتلال، وانكشاف المستور، حيث سيؤدي الاحتلال إن لم يواجه بفعل استراتيجي إما إلى تكريس هذا الاحتلال واستمراره من خلال إبرام الاتفاقية الأمنية أو تحويل العراق إلى تابع لإيران بتكريس التدخلات الإيرانية وتشريعها عبر مشاريع الأقاليم الفيدرالية؛ ولهذا فإن الكثير من العراقيين يرون أن المستقبل للمقاومة العراقية؛ لأنها القوة العراقية الوحيدة المنحازة للعراق بغض النظر عن أصولها الأيديولوجية، وكونها منحازة للعراق فقط فإنها العامل العراقي الوحيد المستقل. أما العوامل الأخرى من قوات احتلال وأحزاب طائفية فتعمل لمصالح قوى إقليمية ليست بالضرورة تخدم العراق؛ ولذا ستظل تابعة وتعتمد على المجاراة والقيام بردود فعل للحد من النمو القادم للمقاومة الوطنية العراقية وعملياتها.
jaser@al-jazirah.com.sa