Al Jazirah NewsPaper Wednesday  26/11/2008 G Issue 13208
الاربعاء 28 ذو القعدة 1429   العدد  13208
جريان وادي الرمة.. قراءة اقتصادية
م. عبد العزيز بن محمد السحيباني

شكَّل سيلان وادي الرمة هذا العام فرصة رائعة وفريدة لاكتشاف طبوغرافية هذا الوادي ومشاهدة مجراه الطبيعي.. فقد أثبت وادي الرمة بجريانه حتى شرق منطقة القصيم وما بين كثبان رمال نفود الثويرات أنه بالفعل أطول أودية الجزيرة، وكنا نعتبر مقولة: سيلان حتى البصرة وأعالي الخليج العربي، ضرباً من الخيال بينما رأينا خلال جريانه الأخير كيف اخترق كل الحواجز، وكل الرمال واتجه إلى شمال شرق منطقة القصيم ووصل إلى الاسياح، لقد خرجت القصيم عن بكرة أبيها مبتهجة بقدوم مياه هذا الوادي الذي سال في أيام تاريخية وعاشت القصيم كلها أياما بهيجة خلال أكثر من أسبوع ومياه هذا الوادي تكتسح كل ما أمامها من عوائق وتمشي متهادية في أحيان أخرى ما بين بساتين النخل وكثبات الرمال مشكلة نهراً ذا لوحة سريالية رائعة الجمال، وازداد تلألؤه روعة حين جرى فوق مسطحات الرمال الحمراء في شرق القصيم وبالقرب من كل من الربيعية والسبندرية عاشت القصيم أسبوعا كاملا وكأنها في حلم، عاشت وكأنها في العصور المطيرة حين كان نهر الرمة متدفقاً حين رأيت هذه الجموع وهي تتدفق مبتهجة يعتلون في مسرة أحد الجسور، وفي مرات كثيرة كثبان الرمال الذهبية والحمراء والبيضاء على ضفاف الوادي ليشاهدوا هذا المنظر التاريخي ويسجلون هذه اللوحة السريالية كثبان الرمال وقامات النخل وهي تنعكس على مياه عذبة صافية كالمرآة.

خطر في بالي أن يتم إسالة هذا الوادي صناعياً ليصبح نهراً جارياً ومقصداً سياحياً رائعاً لأهالي القصيم ومنطقة نجد الصحراوية.. ماذا لو تم تحويل هذا النهر الجاف إلى نهر جار.. قد تبدو فكرة إسالة هذا الوادي صعبة وخيالية في أذهان الكثير ولكن عند التعمق فيها وجدت أنها ممكنة التحقق، فليس المطلوب إسالة الوادي بكامل عرضه، وإنما عبر (مجراه) فقط الذي لا يزيد على (50 - 100) متر على أكثر الأحوال.. هناك عدة (سيناريوهات) يمكن أن نتخيل تطبيقها لإسالة هذا الوادي صناعياً ليصبح (نهر الرمة) بدلاً من (وادي الرمة) منها:

أ - إسالة الوادي بمياه البحر المالحة التي يمكن جلبها إلى أعالي منابع الوادي (جبل الأبيض والأبيض) الواقع إلى الغرب من الحائط والحويط في حرة خيبر والبالغ ارتفاعها حوالي 2000 متر عن سطح البحر.. وضخ هذه المياه ممكن ولكن قد يصطدم بعقبة صعوبة ضخها عبر أنابيب.

قد تجتمع عليها الأملاح وبالتالي فهي بحاجة إلى صيانة مستمرة إضافة إلى أن المياه المالحة قد تتسرب إلى مخزون المياه الجوفية وخاصة حال وصولها إلى بطن الوادي وأسفله في منطقة القصيم، ولكنها قد تكون ممكنة في أعالي الوادي الواقع فوق صخور الدرع العربي حيث إن هذه الصخور تمنع تسرب المياه إلى طبقات الأرض وبالتالي فإن المياه المالحة يمكن أن تفيد في تحويل أعلى الوادي إلى نهر جار مالح كما أنه يمكن أن تزرع عليه النباتات الملحية كالمانجروف وغيره، وقد طالعت بحثاً رائعاً للدكتور عبد العزيز الحقباني عنوانه (صناعة التاريخ) كان من ضمن مقولة (الأنهار المالحة) أو (البحيرات المالحة) وذكر إمكانية زراعة كثير من الأشجار الخضراء على ضفاف هذه الأنهار.

ب - إسالة الوادي بمياه عذبة وهذا الخيار لاشك أنه خيار صعب وذو تكلفة عالية ولكن إذا نظرنا إلى مردوده الاقتصادي على (الناتج المحلي القومي) فهو ذو فائدة عظيمة وخاصة في المجال السياحي، والمياه العذبة تجعل إسالة الوادي صناعياً مجالاً رحباً للاستفادة في مجالات كثيرة (السياحة - الزراعة - البيئة - الاقتصاد الوطني - الاستثمار) أما في مجالات السياحة فإن فائدته تكمن في إمكانية إيجاد وجهة سياحية ونهر جار في صحراء قاحلة جافة، حيث إن أعالي وادي الرمة التي ترتفع حوالي 2000 متر عن سطح البحر سوف تكون في ليالي الصيف ذات أجواء رائعة ومنعشة نظرا لوجود هذا المسطح المائي الجاري.. ولحسن الحظ فإن فقدان المياه في هذا الجزء بسيط نظراً لسرعة جريان المياه في حوالي ال (100كم) العليا من وادي الرمة، حيث إن فارق المنسوب يبلغ حوالي 1 كم وهذا الميلان مناسب جداً لجريان سريع للمياه، وضمان عدم انسياحها أو افتراشها لمساحة كبيرة من الأرض وجريانها لمسافة أطول، واقترح تحديد مجرى الوادي في هذا الجزء إذا لم يكن قد تم تحديده بواسطة جريان مياه الأمطار خلاله، وقد قرأت مؤخراً أن محطات التحلية في المملكة تنتج يومياً حوالي 6 ملايين م3 من المياه، والكمية التي نحتاجها لتسيل مجرى وادي الرمة بعرض 100م وطول 100كم هي (10 مليون م3) إذا كان ارتفاع المياه 1م ومياه ساكنة غير متحركة أما إذا افترضنا أن ارتفاع المياه هو 20سم (مياه ثابتة) وغير متحركة فإن الكمية المطلوبة لإسالة الوادي هي 2 مليون م3، وإذا فرضنا وجود فاقد للشرب والتبخر بنسبة 50% فإن سمك المياه هو 10سم، وعلى هذا فإنني أرى أن يتم إنشاء محطة تنقية أو تحلية (جزئية) لمياه البحر على البحر الأحمر بطاقة (500.000م3) أو مليون م3 يومياً ومن ثم ضخها إلى خزان ضخم في أعلى منابع وادي الرمة (جبل الأبيض) ليتم تجميع هذه المياه على مدى أسبوع لتكون أكثر من (4-5) مليون م3 ومن ثم ضخها أو فتح الخزان كل أسبوع في وادي الرمة وللطول المذكور 100كم.

قد يقول البعض انه لا فائدة ترجى من ذلك أو أن هذا هدراً للمياه التي نحن بحاجة إليها، ولكنني سأستعرض هنا جزءاً من الفوائد والأهداف من هذه الفكرة:

أولاً: هدف استراتيجي وهو إيجاد محطة تحلية احتياطية لتغذية مدن المنطقة الوسطى ومدن المنطقة الغربية في حالة عطل إحدى محطات التحلية، حيث لا يوجد حالياً أي محطة احتياطية، فالهدف الأساسي من هذه المحطة هو ليس تسييل وادي الرمة وإنما إيجاد محطة احتياطية استراتيجية لمياه التحلية.

ثانياً: هدف سياحي: تفتقر منطقة نجد (المنطقة الوسطى) إلى مشروع سياحي مائي كبير حيث الارتفاع الكبير لدرجة الحرارة حينا ووجود مثل هذا النهر المتدفق على أعلى نقطة في المنطقة الغربية من المنطقة الوسطى سيجعل من ليالي الصيف ليالي ذات نسمات لطيفة ورائعة ويجعل من هذا المسطح بحيرات عائمة بجانبه وشاليهات وأنوار متلألئة ومطاعم وأشجار ذات خضرة على امتداد أكثر من 100كم.. ستكون مشروعاً سياحياً رائعاً يمكن تشغيله بالاستثمار.

ثالثاً: هدف (زراعي - بيئي - اقتصادي) حيث إن هذه المياه العذبة التي تسيل حتى تصل لمنسوب المياه الجوفية سترفع منسوبها وبالتالي استفادة المزارع، ويمكن زراعة أشجار فواكه صيفية أو نخيل على جنبات هذا الوادي الخصب (تين - رمان - عنب) وهي فواكه صيفية يمكن ان تموّن كثيراً من مدن المملكة.. وبالتالي فإن هذه المياه العذبة ستكون حافزا للاقتصاد وللناتج المحلي الإجمالي للوطن واقتصاده.. صحيح أن المتر المكعب من المياه سيكلف في عمليات تحلية ولكن سينتج لنا (سياحة - فواكه - زراعة) وزيادة في القيمة المضافة للناتج المحلي القومي الإجمالي.. أثق بأن ذلك سيواجه بصعوبة في البداية لعدم تصور فوائد الفكرة.. ويتصور الكثيرون أن المياه العذبة ستكون ذات تكاليف باهظة ولكن إذا فكرنا في الأرقام وفي ما وراء الأرقام وبالدراسة المتأنية التي تحيط بجميع الجوانب خصوصاً الفائدة العائدة إلى الاقتصاد الوطني من مثل ذلك، فإنني أثق في النهاية بأن (وادي الرمَّة) سيصبح (نهر الرمَّة الخصيب).. وأنادي كلا من الهيئة العليا للسياحة والهيئة العامة للاستثمار ووزارة الزراعة بدراسة هذه الفكرة.



Arac433@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد