خبر صحفي أسعدني، وشرح صدري تحت عنوان (قافلة الضمان الاجتماعي للعائلات المتعفّفة) وبالرغم من أن الخبر كان مختصراً، ولم يتضمن شيئاً من المعلومات عن هذه القافلة إلا أن فرحي به حينما قرأته وأنا قريب من قلمي وورقتي دفعني إلى الكتابة عن قيمة هذا الخبر الجميل في نفسي، وعن دعم فكرته البديعة التي تنسجم مع ما أمر به شرعنا الحكيم من وجوب رعاية أولئك الذين لا يسألون الناس إلحافاً، والذين صورهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالصورة نفسها حينما بيّن لنا أن الفقير ليس هو الذي ترده اللقمة واللقمتان، وإنما هو المتعفّف الذي يستحي أن يسأل الناس.
إن هذه اللفتة الجميلة من الضمان الاجتماعي لجديرة بأن نقدرها ونسطر عبارات الشكر والدعاء بالأجر لمن طرحها وتبنّاها وخطط لها، وهي أيضاً جديرة بأن يكون تنفيذها سريعاً عملياً، متجاوزاً لما قد يعترض هذه الأعمال من الروتين الذي يعطّلها ويؤخرها، أو يكون سبباً في تنفيذها تنفيذاً ناقصاً لا يحقق الهدف المطلوب منها، وقد سمعت من كثير من المتابعين لأخبار (صندوق الفقر) الذي أعلن عنه بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين في فترة ولايته للعهد لبعض الأحياء الفقيرة في الرياض ما أشعرني بالأسف على عدم انطلاقه بالصورة الإيجابية المتوقعة.
قافلة الضمان الاجتماعي للعائلات المتعففة يجب أن تهتم بنفسيات أفراد هذه الأسر، وترعى جانب الشعور بالكرامة وعزة النفس التي جعلتهم يصبرون على ما هم فيه سنوات طويلة تعففاً وترفّعاً عن المسألة، ولا بد أن تكون الأنظمة واللوائح الموضوعة لهذه القافلة مراعية لهذا الجانب المهم.
لقد تذكرت -حين قرأت الخبر- جابر عثرات الكرام ذلك المنفق الذي كان يبحث عن البيوت الفقيرة المتعففة، ويقدم إليها ما يستطيع في جنح الظلام، تحت ستار الليل، فيرفع عنها مذلة المسألة، وعبء الحاجة بطريقة تحفظ ماء الوجه، وكرامة الإنسان.
كما تذكرت أكثر من فاعل للخير وفاعلة له ممن عاصرتهم زمناً، وممن تروى لي أخبارهم الصحيحة، كانوا يقومون بالعمل نفسه بطرق رائعة من البذل الكريم الذي يفرّج كرب المكروب، ويرعى منزلته ومكانته، ولا يخدش كرامته.
إن من الأسر المتعففة من يحصل على دخل شهري، ولكنه لا يكفي لتوفير بعض احتياجات الأسرة الضرورية، ولربما كان ذلك الدخل الشهري المتواضع مع عدم سؤالهم للناس، وإظهار حاجتهم سبباً في عدم اهتمام فاعلي الخير بهم، مع أنهم في حالتهم تلك يعدون ممن يحتاجون إلى الصدقة وربما صحت فيهم الزكاة، وقد ذكر لنا ربنا سبحانه وتعالى في سورة الكهف قصة المساكين الذين كانت لهم سفينة تعمل في البحر، فهم يملكون سفينة، ولكنه -مع ذلك- مساكين.
نرجو أن نرى أثراً رائعاً ملموساً لهذه القافلة المباركة، قافلة الضمان للعائلات المتعففة.
إشارة
قال تعالى {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}.