هل أصبح الطب والعلاج تجارة صريحة، أكثر منه رعاية صحية همها الأول العناية بالإنسان، وعلاج الأمراض والبر باليمين التي يقسمها الطبيب عند تخرجه أو عند مزاولته للمهنة الإنسانية التي اسمها الطب؟!
هذا السؤال في حاجة إلى إجابة شافية بعد هذا الارتفاع الجنوني في فواتير المستشفيات الخاصة، وفي أسعار الأدوية، وبعد أن أصبح الشعور العام للمرضى والمراجعين يدور في فلك المادة، وفي هاجس الأسعار والنفقات المترتبة على مراجعة الطبيب أو المبيت في المستشفى.
وللأسف فإن بعض الأطباء وبعض إدارات المستشفيات يستغلون التأمين الصحي بامتياز، وهم في الحقيقة يستغلون المريض في الدرجة الأولى، خاصة وأن تغطية شركات التأمين تكون عادة محددة في كثير من الحالات ولها حدودها العليا والدنيا تبعاً لدرجة التأمين وقيمة البوليصة الخاصة به. فمثلاً تغطية علاج الأسنان في حدود 1500 ريال، لكن الطبيب في المستشفيات الخاصة يستهلك هذا المبلغ في زيارة واحدة دون أن يتلقى المريض علاجاً يستحق هذا المبلغ لأنه سبق لذات المريض أن دفع نصف هذا المبلغ عندما كان يعالج على حسابه الخاص، مقابل علاج حقيقي. هل هذا يعني أن الطبيب يمكن أن يضع تقديرات مالية مختلفة عندما يعلم أن المريض له تأمين؟!
الذي يؤكد هذا الفهم أن هناك بعض الأطباء يقدمون تشخيصاً مبالغاً فيه ومخيفاً للمريض كي يفرض عليه دخول المستشفى دون النظر في موضوع التكلفة المبالغ فيها. أيضاً مثال ذلك ما حصل مع أحد المرضى الذي قيل له في تقرير طبي واضح أنه لابد من استئصال مثانته، وإجراء عملية جراحية معقدة لتأمين مجرى البول لأن ورماً خبيثاً قد انتشر من المثانة ولابد من الإسراع في إجراء العملية مقابل خمسين ألف ريال.
ولأن المريض عامل بسيط لا يغطيه التأمين فقد لجأ إلى أهل الخير -جزاهم الله خيراً- الذين أوصلوه إلى مستشفى حكومي، أجرى فيه عملية جراحية بسيطة تم خلالها استئصال ورم حميد وبسيط، عاد على أثرها المريض إلى حالته الطبيعية وعاد يمارس عمله من يومه الثاني!!
من المسئول على الرقابة على هؤلاء، وما المعايير الحقيقية التي تضمن للمريض حقوقه بما في ذلك قيمة العلاج وصدق التشخيص؟!
وهل هذا الارتفاع غير المبرر في تكاليف المستشفيات وقيمة العلاجات ودقة التشخيصات هو الذي يدفع بالكثيرين إلى دول أخرى بحثاً عن علاج أفضل بتكاليف أقل؟... وتاليتها