مجموعة (عدّي جاسر الحربش) القصصية (حكاية الصبي الذي رأى النوم) والصادرة عن النادي الأدبي بالرياض، تضعنا أمام صوت شاب وجديد في لغته ونهجه، فالقصص في غالبها تنطلق من أرضية تراثية، لكن من مدلولاتها تفرد ظلالها على واقع الإنسان المعاصر في كل مكان، الذي تحاصره هموم المعاش والثقافة والجهل والمرض. إنه يذكرني بالكاتب بورخيس ذلك البصير الذي تقرؤه فترى أن رؤيته لعالمنا واضحة ومحددة رغم أن ما يربطه بهذا العالم هو الإحساس والصوت وبمعلم القص الحديث ميلان كونديرا، وهما الوحيدان على حد علمي اللذان يدمجان القص بالمقال، فلا تدري هل هما قاصان أم كاتبا مقال.. وهذا هو حال عدّي الحريش! |
أما النهل من التراث وعكسه على الواقع فهو يذكرني ببعض ما قرأته لأمين شنار وجمال الغيطاني ومجيد طوبيا وعادل كامل وأميل جيبي وعزالدين المدني، لكننا للأسف لم نرَ كاتباً سعودياً ينحو هذا المنحى، مع أننا نتنفس التراث وندخل بقضنا وقضينا كل لحظة في هموم العصر وقضاياه، بل إن جل القصص المحلية لدينا تكاد تكون غريبة في أرض غريبة، فالشخصيات هلامية والأرضية رخوة واللغة فارغة مثل فؤاد أم موسى! |
لقد صور عدي أبلغ تصوير مرحلة مهمة من تاريخ الجزيرة العربية، وتحديداً من منطقة (الرس) التي تعرضت لحصار طويل ومضن من قوات طوسون محمد باشا وبناء السور حول المدينة كلها للحيلولة دون اقتحام المدينة من قبل القوات الغازية بعد أن مرت بالقصيم والمذنب متجهة إلى الدرعية، لقد قدم أهالي الرس معزوفة جميلة من التضحية والتكاتف للذود عن مدينتهم وليس مهما بعد ذلك أن كانت المدينة قد استسلمت أمام قوات مزودة بأحدث أسلحة ذلك العاصر القادرة على دك الحصون وإبادة الناس والزرع والضرع. |
وما أحلى هذه الأدبيات التي قدم بها (عدي الحربش) لقصة (لماذا يكثر أهل الرس من أكل الحبحر؟!). |
يأهل الحزم يا نعم الذخيرة |
أن لفاكم من الباشا علام |
ادعوا الله ولا تدعون غيره |
واعرفوا ما من الميتة سلام |
الفرنجي إلى قمنا نكيله |
تلفظه مثل سيقان النعام |
ما نقلنا السيوف اللي شطيرة |
كود للكون في وقت الزحام |
إن هذه القصة وغيرها من القصص تضعنا بإزاء موهبة جديدة تضيء سماء القصة القصيرة في المملكة، وهي موهبة تحتاج حقيقة إلى من يلقي الضوء على نتاجها، فهو نتاج جديد في بابه، نتاج ينطلق من وقائع وأساطير محلية، قلما وجدنا من يستفيد منها ليبنى عليها عملاً فنيا متكامل الأركان. |
لقد وقفت عند قصة واحدة، مع أنني أعجبت بأكثر قصص المجموعة، ومن يقرأ (حكاية الصبي الذي استطاع أن يرى النوم، الاسطرلاب، مقلع طميه، من قتل الواقدي؟) وغيرها.. سيرى مدى الرؤية والثقافة التي سترسم خطى عدي الحربش وهو يشق طريقه بكثير من الثقة، ثقة تدعها الموهبة والثقافة والإصرار على التفرد!! |
فاكس 012054137 |
|