Al Jazirah NewsPaper Wednesday  03/12/2008 G Issue 13215
الاربعاء 05 ذو الحجة 1429   العدد  13215
ثقافة الحج
محمد الدبيسي

في ظلال موسم الحج.. الذي نتفيأ نسائمه .. أثار (تحقيق صحفي حيِّي).. قضية غياب (ثقافة الحج).. تلك الممارسات والسلوكيات والخطابات والناس.. التي يحفل بها هذا الموسم.. والتي تتقاطع مع إجراءات التنظيم المؤسساتي له بكافة مستوياته.. التي تبلغ سنوياً وعاماً بعد عام.. معدلات نجاحها الباهر.. ولكن غياب تأمل المناسبة بشقها الثقافي - أو العناية المثلى بها كقيمة يكاد يكون ظاهرة جديدة بالمراجعة..

** فمؤسسات الثقافة والأدب والإعلام.. هي المعنية أولاً بالإعداد لخطة تتواكب هذه التظاهرة الأممية الفريدة من نوعها.. ولا يضيرها أن تبدأ باستقطاب المثقفين والمفكرين والمبرزين في مجتمعاتهم من الحجاج.. للحديث إليهم والحوار معهم عن المناسبة النسك.. والشعيرة المعني.. بالنسبة إليهم.. وهي تمثل لهم ولمجتمعاتهم رحلة العمر.. ومنتهى الأمل.. فرضاً وخياراً في آن.. (حوار) بعيد عن النمط العيي الذي ألفناه.. ولم يتغير أو يتطور في آلياته أو قدرات كوادره منذ سنين طويلة..

**.. في المدينتين المقدستين (مكة والمدينة).. وعبر تاريخهما المضيء الطويل شكل (الحج) مركزية (زمانية ومكانية).. تمس العادات والتقاليد الحياتية اليومية.. وتتقاطع مع أدق أنظمتها وانعطافاتها..لتخرجها من اعتيادها اليومي والرتيب المألوف؛ مما آل بالمناسبة ومواقيتها الزمانية والمكانية إلى (حدث موسمي).. له نظامه وثقافته ومقتضياته.

**.. وعبر ذلك التاريخ.. خلع الحجاج على (المدينتين) ثقافتهم في التفكير والتعامل واللغة والمأكل والملبس.. زرعوا ثقافتهم في بيئتين كانتا مهيأتين للاحتواء والتمازج والتثاقف.. مما أنجز (نماذج) مجتمعية صغيرة.. وصارت ضمن سياقات خصوصيته الثقافية..

** (مكة والمدينة) في وجدان الحجاج ليس مشاعر مكانية تقتضيها أركان وشروط النسك.. بل إن وسمها ب(المشاعر) يمزج المجرد والمعنوي.. بالمادي والواقعي في وجدان الحجاج.. الذين ما فتئت حواسهم تبحث في جوه أبناء (المدينتين) عن سحنات الصحابة ورائحتهم.. وفي أجزائهما وأنحائهما عن آثار الأولياء الصالحين.

** الحجاج في (المدينة المنورة) كما رأيت يأبون إلا أن تلامس أقدامهم عارية أرض تراب المدينة.. تتنفس أقدامهم مسام الأرض وطينتها.. هذه الممارسة تمثل للحاج.. رغبة حميمة في الارتواء من رائحة المكان وخصائص قداسته..

** هؤلاء الأطهار.. كما ألفت عيني وروحي - منذ زمن طويل - تأمل أفرادهم وجماعاتهم.. تتحلق حول المقام الطاهر الشريف.. ومقابر الشهداء في أحد ومساجد الفتح والقبلتين وقباء وغيرها.. تهف عن نفسها الوجل.. وتتنفس أطياف اليقين.. وترسل مواجدها تراتيل المحبة العفة والحنين.. بكل لغات الدنيا..

** هذه (الأمكنة) في وعي الحاج تصل إلى مرتبة المقدس مقصد الروح ومآل اللهفة الطويلة التي لا تتحقق إلا خلال الحج..

هذه النماذج البسيطة والعظيمة في آن.. تتكئ في وعي الحاج على (مرجعية ثقافية) تراكمت عبر قراءات وموروثات بحاجة إلى فعاليات علمية ترصدها .. وعين فاحصة نابهة تتعقبها.. تراجعها وتكشف محركاتها وتجلياتها.. وهي المهيأة وحدها للتقريب والتآلف والمثاقفة بنهجها العلمي الصحيح.. وبعفويتها التي تتجاوز كل (إكراهات البغضاء).. التي تمارس من لدن البعض تجاه الحجاج.. واعتبارهم جهلة.. أو متواطنون على إثم التصور والممارسة..

** (ثقافة الحج) المغيَّبة ثقافياً وإعلامياً.. بحاجة إلى استظهار مفاعيلها وآثارها في السلوك والوجدان.. ولعل رحلة الحاج (عبدالقادر عياض وقناته) تقدم نموذجاً مهنياً فذ الأداء لكيفية مواكبة واستيعاب - ومن ثم تقديم - (ثقافة) أو رحلة كتلك.. بوعي وآليات تشف عن خصوصية المناسبة وثقافتها.. وما تنطوي عليه من قيم ومعرفة ومعان..



Md1413@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5215 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد