الوعاء (container) مصطلح له أكثر من مترادفة، مثل (الإناء أو الصندوق أو الحاوية)، وكلها مترادفات تدل على حيز فارغ يمكن تخزين شيء أو أشياء معينة فيه. المحتوى (content) مصطلح من مترادفاته (المضمون)، وهي تدل على مفهوم (فكرة، قيمة، رسالة) يراد إيصاله أو تكوينه في العقل، كما تدل على حالة نفسية (عاطفة، انفعال) يراد إيصالها أو تكوينها في الوجدان، كما تدل على فعل (عملي أو قولي) يراد من المتلقي فعله.
فالوعاء يرمز للجمود والسكون وبقاء الشيء على حاله، وهو معد لحفظ المحتويات التي توضع فيه، وقد يكون هذا الوعاء سبباً في فساد هذه المحتويات وتشويهها.
بينما المحتوى يرمز للحركة والفاعلية فهو متغير نام متجدد، قابل للتطور والتكيف، متى ما أحسن استثمار عناصره وتوظيفها في المواقف الحياتية المختلفة.
ومن يستعرض دلالات هذين المصطلحين على مجريات الحياة اليومية وما يتم فيها على مستوى الفرد أو الجماعة، يتبين له أن هناك أفرادا وجماعات تنطبق على ممارساتها وأفعالها وأقوالها دلالات مصطلح الوعاء، لكونها جامدة ساكنة، ببغاوية تردد ما أملي عليها، وحشر في دماغها، فهي مجرد وعاء حفظ ونقل، لا تستطيع أن تتجاوز حدود دلالات ما وضع فيها، لأنها غير قادرة على الإدراك والاستيعاب والتفعيل، وأن هناك أفرادا وجماعات ينطبق على ممارساتها وأفعالها وأقوالها دلالات مصطلح المحتوى، لكونها متحركة متجددة، تقبل التغيير والتطوير، وتتفاعل معه، وتتكيف مع المعطيات، وتفعل بجدارة ما تتملكه من معارف لتواكب الأحداث، وتتعامل معها بكفاءة وقدرة.
وعصابة البغي والعدوان التي خرجت على أهلها في المملكة العربية السعودية تكفرهم، وتفجر مكتسباتهم وتدمرها، وتسفك الدماء المعصومة، خير مثال على مفهوم الوعاء ودلالاته، فهي مجرد أوعية فارغة، تم ملؤها بجملة من المفاهيم المحرفة، والاستشهادات المشوهة، والاستنتاجات الخاطئة، والظنون والأكاذيب، ولأنها عاجزة عن التمحيص والتدقيق، وإدراك الحقائق من مصادرها المعتبرة، بقيت مصرة على غيها وعدوانها ضد البلاد والعباد، تمارس كل صنوف البغي التي طلب منها أن تنفذه بكل غباء.
وهذه الحال تنطبق على من يعدون أنفسهم من الكفايات الفاعلة في تكوين الرأي العام، والتأثير فيه، لكنهم في واقع الحال مجرد أوعية، يؤدون الأدوار، ويتحدثون بما أملي عليهم مدفوعين برغبة الشهرة، لذا تراهم يصرون على المصادمة والمواجهة، مما أفقدهم ثقة المتلقين، والقدرة على التأثير فيهم، وتقبل الآخرين لهم، وهم بهذا لن يحققوا الغاية التي ينشدونها من ممارسة الدور الذي يتصدون له في زعزعة الثوابت والقيم، مما قلل من قيمة جهودهم وأهميتها، وهذا أمر متوقع، ولهذا على هذه الأوعية الجامدة أن تتفهم أن المتلقي ليس بحاجة إليها باعتبارها صدى وأبواقا للغير، بل هو في حاجة ماسة إلى عقول أصيلة تقدر على تفعيل المعارف وتفاعل بين عناصرها وتعرضها بصورة جديدة مؤثرة متوافقة شكلا ومضمونا مع ثوابت المجتمع وقيمه، تماما كما تفعل النحلة التي تجمع الزهور من هنا وهناك وتحولها إلى عسل لذيذ مفيد مغذ، تشتهيه الأنفس وتجهد في البحث عنه، وهذا ما تعجز عن تحقيقه الأوعية الجامدة.