د. حسن أمين الشقطي
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند 4904 نقطة رابحاً حوالي 249 نقطة، وهو الأسبوع الأكثر استقراراً منذ فترة ليست قصيرة تقريباً.. وقد أحرز المؤشر هذه الربحية في ظل تدني معدلات السيولة المتداولة التي لم تتجاوز نحو الـ 5 مليار ريال.. وقد طغت حالة الترقب لصدور بيانات ميزانية العام الجديد على نفسية المتداولين هذا الأسبوع.. ورغم سيادة روح التفاؤل بأرقام إيجابية للميزانية الفعلية لعام 2008، وأيضاً رغم المحفزات الجديدة التي ضختها مؤسسة النقد بتخفيض الفائدة على اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء العكسي، لم تتحرك السيولة المتداولة في السوق بالشكل المرغوب الذي يمكن أن يدعم حدوث مسار صاعد حقيقي حتى هذه اللحظة.. ولا تزال تداعيات الأزمة العالمية سارية حتى هذه اللحظة، كما لا تزال تراجعات أسعار النفط تترك تأثيرات سلبية على نفسية ليس سوق الأسهم وحده، ولكن على حركة النشاط الاقتصادي الكلي في الداخل، وذلك حتى رغم التخفيض الهائل الذي أعلنت عنه أوبك قبل يومين.. وإذا كان الهدوء هو سمة السوق هذا الأسبوع، وإذا كان الصعود المعتدل الذي لم يتجاوز نحو 5.4% فقط هو نتاج حركة التداول، فكيف ستكون نتائج الأسبوعين المقبلين بما فيهما من مستجدات وأحداث أبرزها صدور أرقام الميزانية؟ فضلاً عن ترقب نتائج أعمال الشركات للربع الأخير، وهو الربع الأول الذي سيبرز مدى تأثيرات الأزمة العالمية على هذه الشركات؟
سابك تقود السوق بربحية 10.8%:
يبدو أن أسعار النفط أصبحت تلعب الدور السحري في سوق الأسهم الآن، حيث إن معاودة أسعار النفط للارتفاع بعد أن كسرت الـ40 دولاراً أعطى دفعة قوية لسهم سابك للصعود من جديد وليربح هذا الأسبوع نحو 11%. إلا إن الأمر لم يقتصر على سابك فقط، بل أن عدداً من أسهم قطاع البتروكيماويات تحرك وأحرز صعوداً بنسبة 8.7%.
المجموعة السعودية تعلن عن خسائر بنسبة 77%:
قاد سهم المجموعة السعودية مبادرة مثيرة بإعلانه عن تراجع أرباح المجموعة بنسبة 77% مقارنة بالعام الماضي. ومن المفيد بداية الإشادة بمبادرة الشركة في طرح معاناتها وخسائرها، رغم أن هذه المبادرة جاءت بالطبع متأخرة، ولم يكن هناك مقدمات لها. إلا إن هذه المبادرة في حد ذاتها قد أفصحت عن حجم المشكلات التي تواجه أو قد تواجه شركات البتروكيماويات إذا استمر وضع السعر العالمي للنفط عند مستوى الـ50- 60 دولاراً.
قطاعا الفنادق والبناء والتشييد على رأس قائمة الرابحين:
فجأة عاودت بعض قطاعات المضاربة الظهور على ساحة اهتمام حركة التداول، وأبرزها الفنادق وإلى حد ما التأمين، هذا بجانب قطاع آخر هو البناء والتشييد.. فقد ربحت الفنادق حوالي 18.2%، في حين ربح البناء والتشييد 14.7%. وإذا كان هناك بعض المنطق في صعود الفنادق حيث تشهد المملكة رواجاً سواء بموسم الحج أو بالأفواج المتوالية في سياحة الأعمال والمؤتمرات، فإن صعود قطاع البناء والتشييد قد لا يلقى هذا الدعم، في ظل حالة الترقب التي يمر بها القطاع رغم محفزات تخفيض أسعار المواد البناء الرئيسة المتمثلة في الأسمنت والحديد. إلا إنه على مستوى الشركة الواحدة، فإن هناك ملامح عمليات مضاربية هذا الأسبوع بدأت تشتعل، أدت إلى ربحية سهم الأهلى تكافل 38% رغم أن السهم خاسر لـ77% منذ بداية العام.
ترميمات نهاية العام.. منطق اللامعقول:
البعض لا يأخذ عملية ترميم المؤشر على محمل الجد ويعتقد أنها أوهام في خيال المحللين فقط، ولكن تجربة العام الماضي والصعود القوي المفاجئ خلال شهر ديسمبر بلا سبب أو مبرر منطقي يؤكد حدوث مثل هذه التوجهات غير محددة الهوية أو المصدر.. فالمؤشر في نهاية العام الماضي ابتدأ فجأة مساراً صاعداً قوياً من مستوى الـ9300 نقطة في بداية شهر ديسمبر 2007 تقريباً حتى وصل إلى مستوى 11697 نقطة في 12 يناير من عام 2008، ثم فجأة انكسر وعاود الهبوط بقوة حتى وصل إلى 8818 نقطة في 12 فبراير 2008م. إن ما حدث خلال نهاية العام الماضي يؤكد حدوث مثل هذه الترميمات التي تستهدف فقط إظهار إغلاق سنوي إيجابي للسوق أو الشركات المدرجة به، متجاهلة كافة المآسي والخسائر التي لحقت بالمتداولين به.. إن المؤشر لا يمثل أهمية سوى أنه كيان معنوي لقياس أداء السوق، إلا إن التركيز عليه وتجاهل الأطراف المادية به (المتداولين) ليعطي دلالات غير مقبولة.
الميل للصعود حتى رغم ضعف السيولة:
خلال الأسبوع الماضي، أحرز صعوداً إيجابياً بحدود 249 نقطة، وذلك رغم أن عدم وجود محفزات إيجابية قوية يمكن الاعتداد بها.. حتى أن مستوى السيولة اليومية لم يتجاوز ال5 مليارات ريال، بل جاء هذا المستوى ضعيفاً للغاية حتى لامس مستوى ال3 مليارات ريال يوم الثلاثاء، ولكن رغم ذلك تماسك المؤشر ولم يبد ميلاً للهبوط.. وهو ما يؤكد نظرية أن البعض يسعى لترميم الإغلاق السنوي للمؤشر.. أي أن بالسوق يوجد من يمتلك القدرة على حمله على الصعود الجبري أو الهبوط الجبري مخالفاً لكافة المحفزات أو المثبطات الحقيقية التي تحيط به.
هل الوقت مناسب للسماح للشركات بشراء أسهمها؟
في اعتقادي أن شراء الشركات لأسهمها قد يعيدنا إلى الزمن الماضي الذي كان أكثر اضطراباً.. نعم في الماضي لم يكن الهبوط عنيفاً كما هو الآن ولكن الاضطراب كان أعنف، لأن الماضي كان يحمل في طياته صعوداً قوياً وهبوطاً أكثر قوة. لذلك، فإن شراء الشركات لأسهمها ليس حلاً يعول عليه في إنقاذ سوق الأسهم مما هو فيه، بل أن السماح للشركات بشراء أسهمها قد يضيف للسوق اضطرابات جديدة، لأن هذا القرار سيضيف للسوق طرفاً أكثر احتكارية للمعلومات وأكثر قدرة على المضاربة بأسهم الشركة التي يعرف ويعي كافة المعلومات عنها.. ومهما كانت اللوائح المنصوصة، فإن قدرة هذه الشركات على التلاعب بأسهمها ستفوق قدرة المتداولين العاديين الذي يضاربون على أسهم الشركة حسب معلومات غير دقيقة أو بناء على توقعات.
السيناريو المتوقع للأسبوعين المقبلين!
هذا السيناريو يتوقع أن يكون كمن يقدم السم في العسل.. يتوقع صعود قوي قد يتجاوز فيه المؤشر مستوى الـ5500 نقطة، تنتعش فيها المضاربات من جديد على أسهم علاها الغبار فترة، أيضاً لإضفاء الحبكة التداولية يتوقع أن ترتفع القياديات الكبرى، وسوف تظهر من جديد نغمة انتهاء التصحيح واكتماله على أسهم مثل سابك وسامبا والراجحي، وأنه لا نزول عن قيعانها في ديسمبر 2008، وسوف تظهر ميول تجميعية يروج البعض لأنها بداية المسار الصاعد الحقيقي.. كل ذلك مقبول، ولكن لا تزال المشكلة التي بدأت بها أزمة السوق، وهي الأزمة العالمية سارية، ولا تزال أسعار النفط تعاني الضعف الشديد تأثراً بالركود الاقتصادي، وأيضاً أرقام الميزانية التقديرية للعام الجديد لم تحدد بعد قدر التوسع الذي تستهدفه.. لذلك، فإنه يتوجب الحذر في التعامل مع أي ميول تجميعية.. إن الموجة الوحيدة القادرة على تحريك سوق الأسهم الآن هي (موجة برد) من العيار الثقيل تكون قادرة على إعطاء دفعة قوية لأسعار النفط (للتدفئة)، بشكل يعيد لسابك وأخواتها زخمها، وبالتالي تعود القيادية القوية الثقيلة للسوق من جديد، بشكل نقول معه أن مستوى 6767 ممكن.
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com