(الجزيرة) - خاص
انتشرت في الفترة الأخيرة، الكثير من المصاحف الإلكترونية على شبكة الإنترنت، بل صارت مرجعا للباحثين، وطلبة العلم، والدعاة، في تخريج الآيات أو البحث عن الموضوعات، لسهولة البحث وسرعته، والقص واللصق من هذه المصاحف الإلكترونية دون صف أو تصحيح.
ولكن لوحظ أن بعض هذه المصاحف الإلكترونية بها أخطاء خطيرة، وأن معظمها لا يخضع للرقابة أو التدقيق أو المراجعة أو الإجازة من أي جهة شرعية، أو هيئة حكومية معتمدة، إضافة إلى سهولة العبث بها.
طرحنا قضية المصاحف الإلكترونية، وكيفية التعامل معها من قبل الباحثين، وطلبة العلم، على عدد من المسؤولين عن الجمعيات القرآنية، والمختصين في دراسة القرآن وعلومه.. فماذا يقولون؟
السرعة هي السبب
يقول المهندس عبدالعزيز بن عبدالله حنفي - رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة: القرآن الكريم مصدر الشريعة الإسلامية، ويلقى على مر العصور اهتماما كبيرا تعليما وتعلما، فهو منزه عن أي تحريف أو تبديل أو زيادة أو نقصان، قال الله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(9) سورة الحجر، فالقرآن الكريم نزل به جبريل -عليه الصلاة والسلام- أمين الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان يحفظه حين تلقيه، فأنزل الله - عز وجل- قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}(17)سورة القيامة، ثم أمر - عليه الصلاة والسلام- كُتّاب الوحي بكتابته كما نزلت الآيات ويعرفهم بمكان الآية وفي أي سورة يكتبونها حتى اكتمل نزول القرآن الكريم قبيل وفاته عليه الصلاة والسلام واكتملت كتابته على ما كان يكتب عليه آنذاك من الرقاع واللخاف (الحجارة) والسعف (جريد النخل وهي السعفة) والمحفوظ في صدور الرجال وتواتر القرآن الكريم بعد ذلك منقولا ومنطوقا كما هو معروف في كتب علوم القرآن الكريم.
ومع تكفله - سبحانه- بحفظ القرآن الكريم لم يترك المسيئون للإسلام وكتابه القرآن الكريم وسيلة لمحاربته ومحاولة تحريفه إلا وسلكوها منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى تقوم الساعة وفي عصرنا الحاضر أصبح الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت أبرز سمات انتقال المعلومات بين الناس في شتى أقطار العالم دون الحاجة لعنصري الزمان والمكان وتطورت وسائل الاتصالات تطورا كبيرا حتى أصبح العالم بمثابة قرية صغيرة لأن المعلومات تنتقل في ثوان معدودة عبر الخدمات العديد التي تقدمها الشبكة العنكبوتية والبريد الإلكتروني وكثرة المستخدمين مع قلة التكاليف ومع أن لذلك إيجابيات كثيرة ووسيلة مباحة في الأصل ويمكن استخدامها والاستفادة منها إلا أن بعض الجهات المبغضة للإسلام استغلت هذه الميزة أبشع استغلال فانتشرت آلاف المواقع بلغات متعددة تدعي أنها إسلامية وتقدم بزعمها خدمات للمسلمين منها ما يتعلق بالفتاوى والاستشارات الدينية والاجتماعية ومنها مواقع مشبوهة تقدم برامج وخدمات القرآن الكريم للتلاوة والتفسير والطباعة بالرسم العثماني وهي جهات غير معروفة وإنما تختفي خلف هذا الكم الهائل من المعلومات الإلكترونية مستفيدة من أن المواقع الدينية تحظى بإقبال واسع وأيضا من عنصر السرعة الذي غلب على الناس فالذي يبحث عن معلومة أو حديث أو آية قرآنية ليس لديه الوقت الكافي للتدقيق ومقابلة الآيات مع الموجودة في المصحف للتأكد من تطابقها في كل شيء حتى الحركات والمدود لذلك يستخدم محركات البحث الإلكترونية وينسخ النتائج دون دراية أو معرفة للكثير من المستخدمين بمدى صحة ودقة ما استند إليه.
ومع انتشار المصاحف الإلكترونية بشكل كبير عبر الشبكة العنكبوتية وكونها سهلة الاستخدام ومن ضمنها نسخ تتضمن تحريفا لا يفطن له إلا الحافظ المتقن لذلك فالواجب على جميع المسلمين المستخدمين للمصاحف الإلكترونية أن يبحثوا في المواقع الإسلامية الرسمية المعروفة كموقع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ومواقع الهيئات الدينية الرسمية كالأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي والحرص على التأكد من مصدر برنامج المصحف الإلكتروني قبل إتمام عمليات النسخ واللصق إبراءً للذمة وتدقيقا للآيات التي يتم تدوينها في البحوث والكتب كما أتطلع أن تقوم الجهات الدينية الرسمية بتكثيف الروابط الإلكترونية في محركات البحث والإعلانات الدعائية الإلكترونية حتى يهتدي إليها كل من يبحث عن مواقع وبرامج القرآن الكريم لأن عدم توافرها يفتح الطريق أمام تلك المواقع المشبوهة التي لا تتورع عن الإساءة للدين الإسلامي بتحريف دستورنا العظيم كتاب الله الكريم لتنفرد بتلبية احتياجات الملايين من رواد الإنترنت يوميا دون منازع.
جهة شرعية معتمدة
ويرى الدكتور إبراهيم بن عبدالله الزهراني - أستاذ الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بجامعة أم القرى، أن هذه المصاحف يجب ألا تصدر إلا عن جهات شرعية معتمدة بعد أن تقوم بمراجعتها وتدقيق النظر فيها، وألا يُسمح للمراكز التجارية إلا ببيع النسخ المعتمدة، أما المصاحف الصادرة عن جهات مجهولة أو غير معتمدة فينبغي أن تمنع حرصا على كتاب الله جل وعلا، وينبغي أن تتضافر الجهود لمنعها من عدة جهات كوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة التجارة، وغيرها مما له صلة بذلك لا سيما وقد ظهر في بعض تلك المصاحف أخطاء في كتابة النص القرآني، وفي المقابل يجب على الجهات المعتمدة التي يوثق بها كالمجمع ونحوه أن تواكب التطور التقني بإصدار مصاحف إلكترونية تلبي حاجات الناس، وتتوافق مع ما يبتكر من أجهزة حديثة لتحول بين الناس والمصاحف الإلكترونية غير المعتمدة، والله الموفق.
قدمنا البديل
ويؤكد أ.د محمد سالم بن شديد العوفي - الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، أن المجمع موقع الريادة في خدمة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويحرص أن ينفع إنتاجه المتميز الدعاة وطلبة العلم وعموم المسلمين، ونظرا لأن هذا العصر هو عصر تقنية المعلومات، فإن المجمع يحرص أن يكون سباقا دوما في جميع المجالات المتعلقة بالقرآن الكريم وعلومه، وحيث بدأت الأجهزة الكفية المحمولة PDA في الانتشار على نطاق واسع، ومنها ما هو مليء بالأخطاء في النص القرآن وغيره، لذا بادر المجمع بدراسة تنفيذ مشروع برنامج للقرآن الكريم لأجهزة حواسيب الجيب والجوال، ووضع أفضل مواصفات عامة وخاصة له وسينتجه بمشيئة الله بالتعاون مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وقد بلغ إنتاج المجمع منذ بدايته عام 1405هـ حتى الآن ما يزيد على 240 مليون نسخة وانتشر في مشارق الأرض ومغاربها، حيث أنتج المصاحف والترجمات والمرتلات ومصحف المدينة النبوية للنشر الحاسوبي وغيرها.
ونظم أربع ندوات علمية ويعد للندوة الخامسة عن القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة (تقنية المعلومات)، وقدم أكثر من 27 مليون نسخة هدية من خادم الحرمين الشريفين للحجاج، وافتتح موقعا له على شبكة الإنترنت، وأصدر مجلة علمية نصف سنوية محكمة هي مجلة البحوث والدراسات القرآنية، وحصد ثلاث جوائز هي جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، وجائزة المدينة المنورة للتصميم المعماري، وجائزة دبي الدولية للقرن الكريم (الشخصية الإسلامية عام 1429هـ) وهو مستمر بحول الله ثم بمتابعة معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المشرف العام على المجمع الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ في تطوير أعماله.
وأنهى سعادة الأمين العام حديثه بالدعاء إلى الله أن يحفظ لهذه البلاد أمنها وأمانها، ورخاءها وتقدمها في ظل القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله وجزاهما خير الجزاء على ما يقدمانه من دعم ومساندة لجهود المجمع في خدمة كتاب الله سبحانه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
g.al.alshaikh12@gmail.com