القارى الفاضل إبراهيم عبدالكريم العودة أحد المعقبين على مقالي: (حقوق المرأة وحرية الاختيار) من بين أكثر من ثلاثين تعقيباً نشرت هنا في (الجزيرة). وأجد أن تعقيب الأخ العودة جدير بالتعليق عليه، وتناول ما جاء في مضمونه، وبالذات قوله: (الموضوع كله - يقصد حقوق المرأة وحرية الاختيار - رغم أنه يخص النساء إلا أن معظم المشاركين كانوا من الرجال بنسبة 77% مما نشر حتى الآن، وهذا قد يكون مؤشراً قوياً يؤكد عدم وجود مشكلة أصلاً لكل هذا النقاش والجدل والاختلاف فيما بيننا).
يجب أن نتفق بدءاً على أن الحكم في هذه البلاد ينطلق ويُحكّم (شريعة الإسلام). هذه الشريعة تحتوي على جانبين جوهريين أحدهما: (ثوابت) لا يجوز الاتفاق على مخالفتها بحال. والجانب الآخر: قضايا ظنية، (اجتهادية)، اختلف فيها الفقهاء، واختلافهم على درجات: إما المنع بدرجاته، أو الإباحة بدرجاتها. و(حقوق) المرأة التي نطالب بها، و(الحرية) التي نرى أن من الواجب أن تمنح لها، تقع ضمن الحقوق التي (اختلف) فيها الفقهاء بين المنع والإباحة. وهذا يعني أن رأي الأغلبية، ورأي الأقلية (الإحصائي) - فيما لو وجد - ليس بذات موضوع هنا. فلو أن 90% من النساء والرجال - مثلاً - اتفقوا على الأخذ بتوجه فقهي معين، فلا يسوغ (البتة) أن يفرض رأي الأغلبية الفقهي على الأقلية طالما أن الأقلية (متبعون) وليسوا خارجين على الإجماع، وطالما - أيضاً - أن هذا (الحق) حق شخصي، لا يترتب عليه إضرار بالآخرين الذين يرون المنع. وأقرب مثال على ذلك قيادة المرأة للسيارة؛ فما هو الضرر الذي سيرتب على (الأكثرية) فيما لو قادت امرأة سيارة، وتحملت بالتالي كل المحاذير التي هي متعلقة بها، وليس بالآخرين؟ أليس من حقها شرعاً وعقلاً أن تمارس هذا الحق الذي كفله لها - أولاً - فقيه معتبر، كماً كفله لها - أيضاً - أنها إنسان ناضج مكلف، تتحمل ما يترتب على تصرفاتها من محاذير، ولها الحق بالتالي في الموازنة بين ممارستها هذا الحق وتركه؛ أن (تختار) بين الترك والممارسة قضية متعلقة بها وليس بالآخرين. وما ينطبق على قيادة المرأة للسيارة ينطبق - أيضاً - على منع عملها في المنشآت العامة والخاصة بحجة (حرمة) الاختلاط، والتي تحدثت عنها مراراً في مقالات سابقة.
النقطة الثانية التي أثارها الأخ العودة في تعقيبه تتعلق بالخطاب الموجه إلى كاتب هذه السطور من معالي الأستاذ تركي السديري بصفته (رئيس هيئة حقوق الإنسان) حول هذه القضية. يقول الأخ العودة: (إن خطاب الهيئة شخصي كما هو واضح من صيغته وليس مداخلة من الهيئة في مناقشة الموضوع حتى يمكن الاستناد إليه). ولا أدري كيف استنتج أن الخطاب خطاب شخصي، طالما أنه موقع منه بصفته (الوظيفية) وليس الشخصية، وطالما أنه جاء على مطبوعات الهيئة، وليس على مطبوعات معاليه الشخصية، وطالما أن القضية من حيث البدء قضية محض حقوقية، تتعلق بعمل الهيئة التي يتولى رئاستها. ولو عاد الأخ العودة وقرأ الخطاب بتمعن لوجد أنه يُعبر عن وجهة نظر الهيئة حيال الموضوع وليس مجرد رأي شخصي يخص رئيسها ولا يتعلق بعمله. هذا ما وجدت إثراء للنقاش إيضاحه في هذه العجالة. إلى اللقاء.