لقد نزل الوحي على نبي ورسول الإسلام محمد بن عبدالله- صلى الله عليه وسلم- برسالة ربه بنشر الإسلام بين العالمين في نهاية العقد الثاني من القرن السابع الميلادي، ولم يمر القرن الأول على بداية الدعوة الإسلامية إلا وقد امتد نورها من حدود الصين شرقاً إلى جنوب القارة الأوروبية غرباً.
ويكفي الحضارة العربية الإسلامية فخراً أنها بانتشارها هذا لم تقم لا على عنصرية ولا
على قومية وإنما اشترك في امتدادها وتطورها كل مسلم مهما كانت أرومته أو لونه أو جنسه على الرغم من أن بداية الدعوة كانت في جزيرة العرب.
وقد وصل الإسلام إلى شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال) في القارة الأوروبية في عام 92هـ الموافق لعام 711م.
ولقد امتد الوجود العربي الإسلامي في الأندلس لمدة ثمانية قرون. وقد صاحب الوجود العربي الإسلامي في شبه جزيرة ايبيريا (الأندلس) نهضة علمية وفكرية وفلسفية وفنية أثرت ولا تزال تؤثر في الحضارة الإنسانية.
كانت أوروبا قبل ميلاد المسيح وبعده عبارة عن قبائل بربرية يقاتل بعضها بعضاً، فقبائل الشمال الجرمانية تغزو وتفتك بالقبائل الجنوبية واستمر الحال على ما هو عليه حتى بداية تكوين الدول الأوروبية في حوالي الألف سنة بعد ميلاد المسيح عليه السلام، ومع تكوين الدول استمر القتال والتنازع بينها حتى منتصف القرن العشرين، ولا تزال بذور هذه النزعات موجودة ونحن في نهاية العقد الأول من القرن الحالي (الواحد والعشرين). ويبدو أن جميع الحروب في القارة الأوروبية كانت مبنية على القومية والعنصرية والجنسية.
يقول عبدالرحمن بدوي: كانت فكرة الجنس Race قد شغلت أذهان كثير من المفكرين في أوروبا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
ومن أبرز هؤلاء جوبينو Gobineau ( 1882-1816م) الذي قسم الأجناس البشرية إلى مجموعتين كبيرتين: مجموعة وصفها بالرجولة، وقال: إنه بفضل النبض القوي لدمها الآري فإنها قادرة على تكوين الدول، ومجموعة وصفها بالأنوثة، وقال: إن قدراتها وميولها تقوم في ميدان التكوين الفني. وبين هاتين المجموعتين الكبيرتين يجري صراع مستمر، وتفاعل متواصل في نفس الوقت. ويحدث دائماً أن شعباً آرياً يتغلب على شعب حامي - سامي ويفرض عليه سلطانه، لكن يحدث دائماً بعد ذلك أن هذا الشعب المسيطر ينحل شيئاً فشيئاً عن طريق الامتزاج مع الشعوب الأخرى غير الآرية، ويفقد قدرته المبدعة.
سنتكلم هنا وبنوع من التفصيل عن أحد فلاسفة العنصرية والجنس Race وهو الفيلسوف شمبرلن chamberlain وهو كما يقول بدوي: فيلسوف حضارة ومتخصص في علم الأجناس من أصل استكلندي ثم صار ألمانيا.
وقد ولد هذا الفيلسوف في سنة 1855م وتوفي سنة 1927م. اشتغل شمبرلن بدراسة علم النبات والجيولوجيا.. وكان شمبرلن متعدد الجوانب الفكرية.. وكان يهدف من وراء دراساته إلى النفوذ من أسرار الطبيعة، في الإنسان، والحيوان، والنبات والأحجار لكنه يقول: (إن العلوم الطبيعية لا يمكن أن تقوم بدون ميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة) وعلم جمال، ودون تعاطف مع الدين والفلسفة. ولهذا عني شمبرلن بالفلسفة والدين وعلم الجمال إلى جانب تخصصه الرئيس وهو العلوم الطبيعية. وسعى إلى الكشف عن سر الحياة. وحاول الربط بين الطبيعة وبين الحضارة والثقافة.. ولكن شهرة شمبرلن إنما تقوم على آرائه في الجنس الآري. فقد مجد هذا الجنس، ونسب إليه أعظم الفضائل. وقصد من الجنس الآري خصوصاً الجنس الجرماني فكان يؤكد أن الجرمان أفضل من سائر الشعوب، خصوصاً الشعوب السامية... وقد مجد دارون لما أسهم به في دراسة مفهوم الجنس.. يقول: (يرجع إلى دارون وإلى الحركة العلمية الكبيرة التي قوى بعضها وأبدع بعضها الآخر.. تنامي معرفتنا بأهمية الجنس Race بالنسبة إلى السلالة الإنسانية). وحدد شمبرلن معنى الجنس فقال: (الجنس مرتبة في الحياة راقية، تنتج عن تدريب مرتبط بظروف مواتية خاصة وبفضله يتم تطور فردي متفاضل لاستعدادات الجسم ولبعض ملامح الخلق والعقل).. ويقول: (وتماماً كما هي الحال في الحيوان والنبات نشاهد في بني الإنسان نشوء أجناس، وازدهارها واضمحلالها وانقراضها، وتكاثر أنواعها بالتهجين والمزج وهذه (الأجناس) هي الأفراد التاريخية بالمعنى الصحيح).
وهي أيضاً الحوامل الحقيقية للقيم... ويقرر شمبرلن أن الجنس الوحيد المبدع الأصيل والمنجب لفروع جديدة أبداً- هو الجنس الجرماني.. وفي مقابل الجنس الجرماني لا يوجد إلا فوضى من الشعوب العديمة العصارة والقدرة العاملة على انحطاط المستوى، الخالية من الأصالة ومن الخلق ومن العبقرية، وهذا الجنس الجرماني هو منذ 1500 سنة القوة الوحيدة الحية الخلاقة لحضارتنا ومدينتنا. وأوروبا كلها هي من صنع يده. ويقول: وحياة الناس في الأمة والدولة والشعب ينبغي أن تفهم على أساس الجنس ويمكن وجود أجناس لا تكون أمما، وذلك لأن (الجنس يتعلق بالطبيعة العضوية الشاملة، أما الأمة فما هي إلا شكل من أشكال التقسيم الاجتماعي للإنسانية: بيد أن الأمة هي أقوى ما يحافظ ويقوي الجنس، وهي مؤهلة لإنجاب أجناس جديدة جادة التفاضل. والأمة التي تسعى إلى أن تكون عظيمة عليها أن تحقق المطلب الأساسي التالي وهو: (تكوين خلق قومي، أي تكوين جنس متميز) والعلاقة بين الدولة والشعب هي بمثابة حافز وعائق معاً (فالدولة قوة، والشعب حياة: وكلاهما يقوي الآخر، وكلاهما يعوق الآخر والصراع بينهما لا يتوقف أبداً. وفي الشعوب تعدد للخصائص الذاتية: (ومن لا يبصر الخصائص الشعبية المتميزة تميزا حاداً، هو إنسان ولد أعمى).. والألمان - في نظر شمبرلن - هم أسمى شعوب أوروبا، لأن لديهم الوعي بالجنس الأنبل والأنقى، وهو الجنس الجرماني. فالألمان - بفضل عظمائهم.. حصلوا على مكانة ومسؤولية رئاسة الجنس الجرماني) لأنهم في وسطهم يملكون مخ وقلب هذا النوع الخاص. ويقول شمبرلن: الشعب والبطل: هاتان القوتان عنهما صدر كل ما هو مجيد في التاريخ الألماني وهما يتفاهمان جيداً طالما لم تتدخل السياسة الحقيرة بينهما).
نقول: لقد هُزمت ألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية بسبب ما كانت تمثله من نزعة جنسية آرية عنصرية وضع أساسها فلاسفة مثل شمبرلن وغيره، وبعد هذه الهزائم والتدمير الذي لحق بألمانيا نجدها اليوم قد اتجهت إلى العلم والاقتصاد والصناعة، وفي المقابل هناك اليابان في الشرق فبعد أن دمرت بالقنابل النووية في الحرب العالمية الثانية اتجهت إلى الطريق الأسلم طريق العلم والتكنولوجيا (التقنية)، وبرز بعد الحرب العالمية الثانية دول أخرى في الشرق مثل الصين وهي من الجنس الأصفر تملك القوة العسكرية والاقتصادية والتكنلوجية، ودول غيرها مثل الهند وماليزيا وسنغفورة.. قوية بالعالم والتقنية. أما العرب والذين وصموا من قبل فلاسفة الغرب في القرن التاسع عشر بالسامية فقد أشغلهم الغرب عن التقدم بزرع الجنس الآخر( السامي (اليهودي) بعد طرده من أوروبا في وسط بلادهم ، وأمدوه بالقوة العسكرية والتكنولوجية، ولهذا لا يمكن أن يقوم للعرب قائمة إلا بامتلاك القوة العسكرية والعلمية والتكنولوجية، لأن هذه الأشياء هي التي تسقط الدعاوي الجنسية والشوفونية والعنصرية لأن عالم اليوم مليء بالأدلة.
المراجع
د. عبدالرحمن بدوي (1984م) موسوعة الفلسفة - مؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت -لبنان.