لم يبق شبر واحد على الأرض الفلسطينية، إلا وقد شرب من دماء شهداء الشعب الفلسطيني.. بدأ هذا الرواء من الإنسان للمكان، في وقت مبكر، قبل ستة عقود وأكثر، ثم ها هو يتجدد اليوم، مع موجات القصف الجوي الإسرائيلي، الذي تشهده غزة اليوم، ويقدم فيه سكانها المزيد من الدماء والشهداء.
* قلوبنا مع أهل فلسطين بكل تأكيد.. ولكن:
* من الذي ظل يفدي هذه الأرض السليبة طيلة هذه العقود..؟
* إنه المواطن الفلسطيني الذي تشبث بأرضه، فلم يرحل، ولم يبع شبراً منها لمستوطن، مثلما فعل غيره ممن استسلموا لبريق الشيكل. وإنه المواطن العربي من الخليج إلى المحيط، الذي شارك في حرب عام 1948م، وضحى بالغالي والنفيس من أجل القضية الفلسطينية في حربين ضروسين عام 1967م وعام 1973م.
* الجيوش العربية من السعودية ومصر واليمن وسوريا والعراق، دخلت أرض فلسطين عام 1948م، فقاتلت وقُتلت.. وجيوش مصر وسوريا والأردن، وخلفها كل الحكومات العربية والشعوب العربية والمال والعتاد، دخلت مع إسرائيل في حرب 1967م تحت شعار: (سوف نرميهم في البحر)..! لكن الجيش الإسرائيلي استطاع في ستة أيام، اجتياح الضفة الغربية والجولان وسيناء، ورمى بمئات الآلاف من الجيوش العربية إلى جانب طائراتهم المحطمة في الصحراء..!
* في حرب التحرير عام 1973م، دخل النفط العربي شريكاً في المعركة بكلمة حزم وحسم من الملك فيصل رحمه الله، ودخل الجيش المصري سيناء، لكن ثغرة (الدفرسوار) الشهيرة، جاءت خنجراً مسموماً في خاصرة الرئيس السادات رحمه الله، فما كان أمامه ليفتدي عاصمته المهددة بالاحتلال، إلا مبادرته السلمية، التي استطاع بها استعادة سيناء كاملة بالسلام وليس بالحرب.
* في كافة المواجهات العسكرية والسياسية والاقتصادية مع إسرائيل، كان المواطن العربي في كل قطر عربي، إلى جانب المواطن الفلسطيني في الأرض المحتلة، قلباً وقالباً، هو الذي يدفع الثمن، يدفع الثمن من عواطفه العربية الجياشة، ومن لقمة أطفاله، ومن راحته واستقراره، وتدخل حكومات ودول عربية كثيرة، في تقاطعات سياسية شائكة، تخل بالتوازنات الدولية في المنطقة، وتهدد أمن واستقرار هذه الدولة أو تلك، وقد تمحى دولة عربية من الخارطة، كما وقع لدولة الكويت عام 1990م، حين اكتسحتها جيوش عربية جرارة، على أنغام أناشيد تحرير القدس، وحرق نصف إسرائيل..!
* ما الذي قدمه قادة فلسطين، وعقلاؤها وكبراؤها وزعماؤها، من أجل قضيتهم الذين تصدروا باسمها وتحت لوائها، قائمة الأحداث الإقليمية والدولية طيلة أكثر من ستة عقود..؟!
* لم نعرف طيلة هذه العقود الطويلة، قيادة فلسطينية موحدة، تؤثر قضيتها الأم، على الانحياز لدول وأحزاب متصارعة متناحرة في المنطقة، واللعب على أوتار الخلافات السياسية بين العواصم العربية، واتخاذ مواقف متذبذبة، تقود في نهاية المطاف، إلى الصدام بين الفلسطينيين أنفسهم، فبدل أن ينشغل العرب بمواجهة عدو الكل (إسرائيل)، يجدون أنفسهم أمام مهمة الفصل بين الأخوة المتحاربين من الفصائل الفلسطينية. حدث هذا مرات كثيرة، والحالة بين حركة حماس المتمردة على الشرعية، والدولة الفلسطينية الشرعية اليوم، ليست استثناءً من المشهد الفلسطيني المأسوي، فالأخوة الفلسطينيون بكافة توجهاتهم، مأزومون سياسياً. لقد ظلوا وما زالوا، يتحدثون بعدة لغات متضاربة، انطلاقاً من العواصم التي (يمثلونها)، وانسجاماً مع مواقف من يدفع لهم أكثر. ياسر عرفات، وقف مع احتلال بلد عربي عام 1990م، في الوقت الذي كان فيه يناضل ضد احتلال فلسطين..! وحماس تنفذ مع حزب الله والقاعدة، أجندة إيرانية واضحة، غايتها استفزاز الشعوب العربية، وإحراج حكوماتها، والإخلال بميزان القوى في المنطقة، لمصلحة إيران أحمدي نجاد، ولتقوية التيارات المتطرفة في المحيط العربي.
* إذا كانت هذه هي حال أهل القضية أنفسهم، منذ أحمد الشقيري، مروراً بياسر عرفات وجورج حبش، ثم هنية ومحمود عباس، فلماذا هذه اللغة التحريضية الحادة، التي يرددها زعماء حماس اليوم، ضد الحكومات العربية بوجه عام، وضد مصر والسعودية بوجه خاص..؟!
* لماذا لم تستخدم هذه الحدة في الخطاب السياسي النقدي، التي تمارس اليوم من الحمساويين، ومن أنصارهم المتأسلمين، حتى داخل البلدان العربية، ضد غزو صدام حسين للكويت، ومسحها من الخارطة، وتهديد الكيان السعودي في تلك الفترة..؟
* لماذا سكتوا في تلك الفترة.. بل باركوا وفرحوا ورقصوا في الشوارع، ثم نادوا باحتلال بقية دول الخليج مروراً بالسعودية، ثم ها هم اليوم، يلومون مصر التي ضحت بأرضها وأبنائها في عدة حروب، بينما ظلوا هم خلف المايكروفونات والصحف المأجورة، يجمعون الأموال من هذه الأطراف وتلك...؟!
* إن العدوان الغاشم على أهل غزة، عدوان على كل العرب.. هذا أمر لا شك فيه، ومن الواجب علينا، دعم سكان غزة، والعمل على وقف الحرب ضدهم، وإذا تحقق ذلك، فمن حقنا كعرب، أن نسأل كافة الفلسطينيين باعتبارهم المعنيين قبل غيرهم: أين هي القضية..؟ وبلغتهم هم: أين هي الكضية يا إخوان..؟
* هل يصح أن تصبح قضية فلسطين التي عاشت في دمائنا، أشلاء تتوزعها فصائل ومنظمات، تتصارع فيما بينها، وتتحارب فيما بينها، وتتاجر بها، ثم تعمد في نهاية الأمر، إلى مغامرات غير محسوبة، فإذا وقعت الفأس في الرأس، أمطرونا بفيض لومهم وسبابهم وشتائمهم، وكأننا نحن الذين تصافينا مع إسرائيل في أوسلو، وتبادلنا السفراء مع تل أبيب، وبصمنا على خريطة الطريق..!
* سوف نظل نسأل كل فلسطينيي العالم من الأحرار: أين هي الكضية يا إخوان.؟
assahm@maktoob.com