لا يزال الأطفال يصرخون حتى هذه اللحظة قائلين بصوتهم الواهن: لا نريد أن نموت، والكبار يتساءلون: أين المجتمع الدولي من هذا العدوان الغاشم؟ وكلنا يسأل: إلى متى ستظل إسرائيل تعيث في الأرض فساداً طولاً وعرضاً والمجتمع الدولي قابع ساكن في موقف العاجز من الأحداث؟
يوم الجمعة الفائت.. هاتفت الأخت والصديقة الدكتورة مي نايف في غزة (المواطنة الفلسطينية)، والتي تعمل أستاذة في جامعة الأزهر؛ لأهنئها بالعام الهجري الجديد، وأهنئها على طباعة كتابها الجديد، وسألتها قائلاً: ماذا ستفعلين غداً السبت في عملك في ظل الأوضاع السيئة التي يعيشها القطاع؟ قالت لي: إذا لم تضربنا إسرائيل وكنا على قيد الحياة سأذهب إلى عملي وأبقى مع أمي بعد ذلك.. ويوم السبت.. استيقظت من نومي مفزوعاً من الرقم الرهيب الذي طالعتنا به المحطات الفضائية؛ أكثر من 200 قتيل وأكثر من 300 جريح في ساعة واحدة. هالتني الصدمة؛ لم أتصور أبداً أن يعيش إنسان في مثل هذه الظروف الصعبة.. لست من دعاة الحرب، ولكن من دعاة قطع جميع العلاقات التطبيعية والتجارية كاملة مع إسرائيل، وطرد السفراء بل المقاطعة الاقتصادية، وهذا دور الحكومات العربية للضغط على إسرائيل؛ حتى تتكبد خسائر يمكن أن تراجع من خلالها حساباتها من جديد.
تذكرت مع مشاهد الدماء دعاة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتذكرت الدم البارد الذي قتل به الأبرياء، وتذكرت اللغة الدبلوماسية التي سيكتب بها كتابنا العرب بحساسيتهم المعهودة ليعلنوا موقفهم الرافض لكل ما تقوم به إسرائيل، أمريكا لم تدعم وحدها إسرائيل، بل دعمها الصمت العربي أيضاً، دعمها ذكر القتلى بالأرقام، وتحول الإنسان إلى مجرد رقم في الحياة وفي الموت، غابت قيمته؛ لأن الإنسان العادي ليس مسئولاً كبيراً تغطي صوره الصفحات الأولى من الصحف العالمية؛ فمَن قُتل.. مجرد (مواطن عربي).
لم يفكر أحد أبداً في الدفاع الحقيقي عن هذه الدماء الذكية التي أريقت في وضح النهار، لم نفكر في الرفض، ولم نر الحقيقة كما هي حقيقة، أن إسرائيل هي العدو الحقيقي في المنطقة العربية، بوضعها غير الطبيعي بكامل الدعم الأمريكي الذي لم يجد في المقابل أي دعم حقيقي للقضية الفلسطينية، حتى من الفلسطينيين أنفسهم؛ فطالما يتحدث صغار شبابهم وكبار قادتهم عن معسكر فتح في مقابل معسكر حماس؛ فسيبقى الوضع ينتقل من سيئ إلى أسوأ، وسيكون الوضع مهيأً أكثر لقتل شعب أعزل يدافع عن حقه المشروع في الحياة والوطن.
لا يستطيع الغضب داخلي أن يهدأ.. هل أعجبتكم مناظر القتلى؟ هل أعجبكم العرض المرعب الذي أخفيناه عن عيون أطفالنا وأطفال غزة يقتلون بالعشرات، وليست للمرة الأولى؟ هل أعجبكم الصوت الواهن الضعيف جداً الذي يطلب من إسرائيل الكف عن القتل والإبادة في شعب غزة؟
عصابة الحرب في الكونجرس الأمريكي تدعم كل محاولة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، والتحذيرات تتعالى من تصعيد العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
حرب كلامية خرساء من الفعل، فقط تندد وتحذر وتشجب وتدين، بعيداً عن أرض الواقع الفلسطيني الذي توقفت الحياة فيه، واقترب ساكنو قطاع غزة من الموت واحداً تلو الآخر، وهم يستحثون العالم الأخرس العاجز عن الفعل الإيجابي بالوقوف إلى جوارهم حتى ترتدع إسرائيل، استحثوا العالم مرات ومرات إلى أن فقد الفلسطينيون حتى مجرد الأمل في مساعدة أحد في رفع هذا العدوان الغاشم.
ومن أجل وصول إسرائيل إلى أهدافها التدميرية والاستعراضية لقوتها تقصف كل ما يقابلها من أطفال ونساء وشيوخ وعجائز. التبرير جاهز، منذ أن انغرست إسرائيل في قلب الوطن العربي وهي تُعمِل القتل والتشريد والمجازر من دون توقع رد صريح، ولو حتى دبلوماسياً. لكن بعيداً عن الشجب والإدانة والاستنكار غير المفيد هل سننتظر أن توقف إسرائيل اعتداءها بعد أن تقضي على سكان غزة أم سنظل ننتظر حتى تدخل غرف نومنا لتقتلنا كما تفعل بسكان القطاع؟!
aboelseba2@yahoo.com