تشير التقارير الصحفية إلى ظهور بوادر خلاف حول العملة الخليجية الموحدة عشية انعقاد القمة الخليجية في مسقط. وزير الشؤون الخارجية العماني، يوسف علوي بن عبدالله، استبعد تطبيق الوحدة النقدية وقلل من فائدتها المرجوة، وطالب في الوقت نفسه الدول الخليجية الإبقاء على عملاتها الحالية معتبراً أن (لا مكاسب لهذه العملة). المعروف أن سلطنة عمان كانت من أوائل الدول الخليجية المعلنة عن عدم تمكنها، أو ربما رغبتها، في الانضمام للوحدة النقدية الخليجية، إلا أن هذا الرفض المسبق يفترض ألا يقود إلى فرض حالة من اليأس على تطبيق أهم القرارات الاقتصادية الخليجية على الإطلاق.
قد نتفهم رفض إحدى الدول الخليجية الانضمام للوحدة النقدية عطفاً على وضعها الداخلي، إلا أنه من غير الممكن القبول بتهميش فائدة الوحدة النقدية، وإلغاء الفائدة منها، والقول بأن عملات خمس لاقتصادات يفترض أن تكون متكاملة فيما بينها، أفضل من عملة موحدة خاصة في مثل هذه الظروف الاقتصادية التي أثبتت أن التكتلات الاقتصادية والعملة الموحدة هي الخيار الأمثل لتحقيق إستراتيجيات التكامل والنمو الاقتصادي.قياساً بالعملة الأوروبية الموحدة، نجد أنها بدأت بعضوية محدودة لبعض الدول الأوروبية ما لبثت أن لحقت بها دول أخرى بعد تأكدها من أهمية القرار الإستراتيجي ونجاحها في تجاوز الكثير من العقبات ومعالجتها فروقات اقتصادية مهمة، كانت تعتقد باستحالة معالجتها وفق تقديراتها الخاطئة.
العملة الخليجية الموحدة قرار إستراتيجي يكمل منظومة الاتحاد الخليجي، ويحقق منافع جماً للدول الأعضاء. بعض المنافع الإستراتيجية قد لا تكون ظاهرة في الوقت الحالي إلا أنها قطعاً موجودة ومثبتة، ولولاها لما قاتل الأوروبيون من أجل إصدار عملتهم الموحدة متجاهلين انسحاب بريطانيا، أحد أكبر الاقتصادات الأوروبية المؤثرة، التي يُعتقد أنها أصبحت قريبة من الانضمام لها بعد الأزمة الاقتصادية العالمية. مثلما أثبتت الأيام نجاعة القرار الأوروبي، فالأيام القادمة كفيلة بإثبات أهمية اتخاذ قرار العملة الخليجية الموحدة، بإذن الله، وهو ما يحتم الدفع نحو تطبيقها ولو بمشاركة أعضاء محدودين. أعتقد بإمكانية إقرار العملة الخليجية الموحدة بمشاركة الأعضاء المتحمسين ولو لم يتجاوز عددهم الثلاثة أعضاء. الاقتصادات الخليجية الأقوى قادرة بإذن الله على إصدار العملة الموحدة، ولتكن فترة إعدادية وتجريبية للدول التي تعتقد بصعوبة انضمامها للوحدة النقدية في الوقت الحالي. الخطوة الأولى هي الخطوة الضامنة لتنفيذ القرار، أما التداول والمشاورات وتعدد اللجان والتأجيل المستمر فهو باعث لتعقيد المشروع، وربما تمييعه ووأده قبل بعث الروح فيه. هناك قراران إستراتيجيان يفترض أن يكونا مقدمين على ما سواهما من قرارات إستراتيجية؛ العملة الخليجية الموحدة، ومشروع التكامل الصناعي بين دول الخليج. من خلالهما يمكن تحقيق الوحدة الاقتصادية كما يجب، والحد من التنافسية القاتلة. من مصلحة الدول الخليجية أن تعمل وفق رؤى إستراتيجية شاملة قائمة على التكامل فيما بينها إن أرادت البقاء والتطور وتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومتوازنة بين أعضائها. الحرص على التطوير لا يعني النرجسية والمبالغة في الاستئثار بمزايا الوحدة على حساب الآخرين، أو التعمد في رفض القرارات الإستراتيجية لأسباب متعلقة بالمصلحة الفردية الآنية المفقودة، بل يجب أن يعتمد في الأساس على التكامل والعدالة وأن يقوم على مبدأ الحقوق والواجبات، وألا يخلو من التضحيات، بغض النظر عن حجم المكاسب المحققة من كل مشروع على حدة على أساس أن مشروعات الوحدة يفترض أن تحقق المكاسب الشاملة للجميع.
أعتقد أن انشغال القمة الخليجية بالشأن الاقتصادي، ومحاولة تفعيل نظام الوحدة كما يجب، والتسريع في إقرار مشروع العملة الخليجية الموحدة، والتكامل الاقتصادي الحقيقي، ومعالجة انعكاسات الأزمة العالمية على الاقتصادات الخليجية، وتداعيات أسواق المال، وتحقيق التنمية الشاملة للدول الأعضاء، محدودة الموارد على وجه الخصوص، مقدمة على ما سواها من شؤون سياسية وأخرى طارئة يحاول البعض إشغال القمة بها وإبعادها عن القرارات المصيرية المهمة لشعوب المنطقة. فلتكن القمة الخليجية قمة اقتصادية خالصة، أو على الأقل في معظم جوانبها الرئيسة.
f.albuainain@hotmail.com