الغزاويون وقعوا بين المطرقة والسندان؛ فمن جهة تطحنهم طحناً الآلة العسكرية الإسرائيلية الهمجية والدموية، التي ليس لها ضابط من أخلاق أو قيم؛ ومن جهة أخرى لا يمانع هنية من أن يعلن أنه لن يستسلم ولو أبادت إسرائيل كل غزة. الإنسان الفلسطيني لا قيمة له عند الإسرائيليين لأنه عدو لهم، وفي المقابل لا قيمة له عند (هنية) لأن قضية حماس و (الإخوان) من ورائهم ليست قضية الإنسان الفلسطيني، وإنما قضية (الأيديولوجيا) ومن يدعمها مالياً وسياسياً، والحفاظ على السلطة مهما كان الثمن.
نعرف، ويعرف (الإخوان) الحماسيون، أن تاريخ إسرائيل منذ أنشئت يقوم على المجازر، وأكوام الجماجم، فما يحصل اليوم كان امتداداً لتاريخ من القتل والدم والمذابح والتدمير والتهجير. الإنسان في قاموس إسرائيل هو فقط الصهيوني ومن ناصره. ومن هو خارج هذا التعريف، حتى وإن كان يهودياً، هو حلال الدم والمال ومطعون في إنسانيته. هذا التاريخ ليس غريباً علينا بعد ما يزيد على 60 سنة في التعامل مع الإسرائيليين وثقافتهم. وفي تقديري أن صانع القرار السياسي الإسرائيلي ينتشي عندما يرى (الدم)، ويتوجس ويخاف عندما تتجه الأمور إلى السلام والهدوء والبعد عن الحرب. هذا ما يصل إليه كل باحث موضوعي وهو يقرأ تاريخ الفلسطينيين مع الإسرائيليين. لذلك كان يجب أن تتعامل حماس معهم بمنطق الحذر، وحسابات الأرباح والخسائر على ضوء التاريخ الفلسطيني الإسرائيلي الذي يكتنفه العنف والدم والتدمير من جانب الإسرائيليين. إضافة إلى أن من يقرأ الواقع اليوم قراءة مضوعية لابد وأن ينتهي إلى أن (التصعيد)، ورفض التهدئة، في ظروف العالم الحالية، كان قراراً خاطئاً من قبل حماس. فالدول العربية، وخصوصاً مصر، لها مصالحها وعليها متطلبات ومستحقات سياسية واقتصادية لا يمكن إغفالها. والعالم اليوم تكتنفه أزمة مالية تطبق على عنق القرار السياسي لكل الدول العربية بلا استثناء. هذه الأزمة - كما يقولون - مازالت في بداياتها، وكل المؤشرات تؤكد أن القادم أكثر صعوبة مما نعيشه اليوم.
لذلك فإن مصر، وكذلك الدول العربية، في وضع لا يمكن لها فيه أن تغفل ظروفها الحالية، وبالذات علاقاتها الخارجية، وما يمكن أن يترتب على هذه الظروف مستقبلاً من تداعيات، لتدخل طرفاً في أزمة لم (تحدد) توقيتها، ولم تستشر فيها؛ الأمر الذي سيجعلها تتعامل في أي نزاع فلسطيني إسرائيلي بمنتهى الحذر، وربما (أضعف) من أي وقت مضى مهما كانت الضغوط الداخلية؛ لتجد حماس نفسها في مواجهة إسرائيل شبه وحيدة أمام الآلة الإسرائيلية المتفوقة. فلماذا - إذن - رفض الحماسيون (التهدئة) وأصروا على التصعيد، وهم لا يملكون من وسائل التصعيد إلا مجرد صواريخ بدائية أقرب ما تكون إلى الألعاب النارية؟
أغلب الظن أن قرار التصعيد جاء من الخارج، وتحديداً من (طهران) التي ترتبط بحماس وجماعة الإخوان المسلمين المصرية بعلاقات (تحالفية) كما هو معروف؛ فإيران هي المستفيد الأول من هذا النزاع، وفي هذه المرحلة بالذات، مهما كانت نتائج هذا النزاع. إلى اللقاء.