لا شك أن الإسلام رغَّب في الزواج وحثَّ عليه لما له من آثار إيجابية عظيمة على الفرد والمجتمع، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه مسلم. كما قال الرسول
صلى الله عليه وسلم أيضاً: (تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) رواه البخاري ومسلم. وقد ورد في القرآن الكريم والسنَّة المطهرة ما ينظِّم العلاقة الزوجية بين الزوجين بما يكفل لهما الحياة الكريمة.
وفي الزمن الماضي الجميل لعب الخطّاب من كلا الجنسين من الرجال والنساء دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية عندما كانوا معروفين في القرية أو الحي وكانت تحكمهم الأخلاق والحياء، حيث كانوا يعطون المعلومات بشيء من الموضوعية والمصداقية وإن كان يتخلّلها بعض التجاوزات من أجل تمرير الصفقة ولكن في أغلب الأحوال كان بإمكان جميع الأطراف الحصول على المعلومات الدقيقة عن الأشخاص المتقدّمين من طرق مختلفة عكس الوقت الحاضر.
وفي السنوات الأخيرة وبعد تكاثر أعداد السكان ونمو المدن أصبح هناك حاجة لمن يقوم بدور الوسيط بين طالبي الزواج من الجنسين، فقام بهذا الدور بعض الثقاة ممن يتوفر فيهم العلم والدين والخلق والذين لا يريدون من ذلك إلا المثوبة والأجر من الله سبحانه وتعالى. كما أنهم لا يزالون يؤدون هذا الدور بأسلوب شرعي من خلال جمعيات ومكاتب تيسير الزواج المنتشرة في المملكة وهو محط تقدير واحترام كثير من الناس.
ومع عصر العولمة والإنترنت والجوال فقد تغيَّر الحال وأصبحت العملية تأخذ منحى آخر يتسم بالخطورة. فقد تطفّل على هذه العملية بعض الرجال والنساء في عموم مدن المملكة وهم ما يسمون اليوم (بالخطّاب والخطّابات) والذين يفضّلون أن ينعتوا بأبي أو أم فلان، حيث إن أغلبهم استخدم هذه العملية تجارة ليس إلا. ويستخدمون في إكمال صفقاتهم الغش والخداع والكذب والتضليل. وقد ساعدهم على ذلك أن العملية لا تحتاج كثير عناء؛ فالمطلوب منهم أن يكون لدى كل خاطب أو خاطبة هاتف أو جوال أو كليهما معاً. كما ساعدهم أيضاً ظروف زبائنهم الخاصة فأغلبهم متزوجون أو سبق لهم الزواج أو لهم ظروف خاصة.
والجدير بالذكر أن الضحية سواء كان رجلاً أو امرأة لا يعرف شيئاً عن سلوكيات الطرف الآخر إلا ما يقدّمه الخاطب أو الخاطبة من معلومات هي في الغالب معلومات مضلِّلة وغير دقيقة. وقد سمعنا قصص زواجات عجيبة وغريبة كان أبطالها هؤلاء المتطفّلين والمتطفّلات تسببت في حدوث مآس كثيرة وصلت إلى المحاكم وانتهت بالطلاق.
إن السعي في الخير هدف إسلامي ومقصد من مقاصد الشريعة السمحة. وتأتي مساعدة طالبي الزواج من الجنسين في الحصول على زوج أو زوجة واحداً من هذه الأهداف والمقاصد. وأعتقد أنه حان الوقت لتنظيم هذه العملية بحيث يقوم بها من يتوفر فيهم العلم والدين والخلق ولهم عناوين معروفة وثابتة وذلك عن طريق إعطائهم تصاريح من وزارة العدل كالتي تعطى لمأذوني الأنكحة.
أما الدجالون والدجالات من الخطّابين والخطّابات مجهولي الهوية والهويات (شريطية الزواج والشريطيات) فينبغي إيقافهم عند حدودهم وعدم السماح لهم بالاقتيات بالزواج، فالطلاق نتائجه خطيرة على الأفراد والمجتمعات. وقد جعله الله سبحانه وتعالى أبغض الحلال إليه. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
(*) عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة