* للزمان مع انحناءات المكان قصص، ترويها قمم الجبال وأخاديد الأودية وبواطن البحار، وتنشد روائعها أفواه الرواة.. فتلازم الزمان والمكان زمكان هو وجودنا ومحيطنا وذكرياتنا وآمالنا التي
تحيا ضمن دفتي الزمان والمكان ويفصل بين سابقها ولاحقها لحظة اسمها (الآن) أو كما يسميها أرسطو بالفاصلة. عند هذه اللحظة التي لا يعتبرها أرسطو زمنا أقف معكم في هذا المقال..
* (الحكايا والقصص) حقيقة كانت أو أساطير كيف لها أن تأخذ بأيدينا ونحن نقرؤها أو نسمعها إلى مدن تتشكل أزقتها وبيوتها.. تضاريسها وساكنيها.. حتى آمالهم وأحلامهم وأقدارهم وغير ذلك كثير.. كيف لها أن تأخذ بألبابنا في لحظة الآن إلى لحظة الماضي؟ دون أن نستغرق في الرحيل زمنا؟ كيف نرسم لها تلك الصور؟ بل كيف نحياها بأدق تفاصيلها؟ وهي لا تعدو أصواتا تترنم بها شفاه الرواة أو حروفا تتوسد صحائف الكتب؟ أين الزمن في كل هذا فلم نستغرقه في قطع المسافات؟
أقول هذا بعد أن أنهيت قراءة رواية لا أنكر أني شعرت بفقد أبطالها وقريتهم حين أغلقت دفتها! وصرت أبحث عنهم في ذاكرتي التي عشت معهم فيها ولم يستغرق رحيلي إليهم مطلع الأمر ولا منتهاه أي زمن..!
* في الرحيل من لحظة الآن إلى لحظة الماضي ولحظة الحاضر دون عناء الساعات والمسافات أفكر وأتساءل هل يمكننا أن ننزع من الزمان غروب شمسه وعتمة ليله إذا رحلنا إلى مكان الشروق؟ لن ترهقنا المسافة في فعل هذا ولن يكلفنا ذلك إلا أن نرى زوايا وأركان ذاك المكان ونحيا الشروق بكل تفاصيله..
* حديثي هذا ليس بحثا في الفراغ المحيط بأخيلتنا لكنه استقصاء لما يمكن أن يغير كثيرا من انطباعاتنا وأحكامنا بل ويداوي الكثير من جراحاتنا وما خطته أنامل الأقدار في أنفسنا.. فالبحر الذي يراه المكلوم مقبرة للهموم والأوجاع محاطة بأشباح وأرواح الألم هو ذات البحر الذي يراه العاشق مدى ترسم عليه أرق معاني العشق وأجمل قصائد الحب.. ما الذي شكل كلتا الرؤيتين المتناقضتين لذات المكان؟ إنها أخيلة تسبح في زمن! (زمن) ترتبط به أحكامنا على الأمكنة.. فالبحر في زمن البلاء ليس ذات البحر في زمن الرخاء.. فزمان العاشق قد جعل من البحر جنة بينما زمان المكلوم جعل منه مقبرة.
* معادلة الزمكان تحدد أحكامنا.. ودمج ألوانها يخرج لون أرواحنا وانطباعنا.. فلسنا بين الزمان والمكان إلا نتيجة! ونحن في حياتنا أمام متغيرين قد نملك التحكم بأحدهما إلى حد ما! فقد نستطيع تغيير المكان (كالرحيل) وقد نستطيع فصله عن الزمان (كالأحلام والخيال)، لكن المتغير الأصعب في المعادلة الذي لا نملك تغييره هو الزمان.. وسر الزمان الذي أعجز الفلاسفة والمفكرين.
* حين يكون المكان بلا زمان؟ تكون زواياه قصة تروى لا أكثر؟
وحين يكون الزمان بلا مكان؟ يكون شروقه بلا ظل وغروبه بلا عتمة؟
وحين يجتمعنا يكونان قصة اسمها نحن.
almdwah@hotmail.com