أيُّ حبر يغسل أيدي الأصدقاء والأهل والجيران من دم أهل غزة؟ أي كلام وأي بيانات تخرج في غزة من بحور الظلم وطوفان الظلام؟ أيّ قمة في هذا الحضيض الذي ننحدر فيه كمقابر جماعية لا تستر رائحة تفسخ جثث فقدت الحياة والحياء؟ تنسكب الدماء من شاشة التلفزيون مباشرة في أكواب الشاي والقهوة، في أطباق الفطور والغداء والعشاء، فهل منا من في هذه الحالة من لا يشارك مهما تقطع قلبه عن بعد في ارتشاف بعض من تلك الدماء؟
يقول شاب عربي - خالي من كولسترول الشعارات في التعليق على مشهد الذبح في غزة على الهواء أمام الجميع وعلى رؤوس الإشهاد-: كان أجدادنا يقولون إنهم لم يعلموا بمذابح النكبة عام 48 إلا بعد أن غاضت الأرض بدمائها، فما عسانا نقول غدا لأحفادنا ونحن نشاهد الذبح يندلع في غزة من غرة الصبح إلا كعب المساء؟!. ماذا يمكن أن نقول لأحفادنا سوى أن نقول: كنا أمواتاً لحظة وقوع الصواريخ على أطفالنا، مدارسنا، بيوتنا، نسائنا، رجالنا وكل الأبرياء.
وكان الشهداء الذين يموتون نيابة عنا أكثر منا حياة، وفي دمهم المهدر أكثر ما في دمنا المصان جميعاً ماء الحياء.
***
يدق منه الجوال لصلاة الصبح كأني نمت بعد قليل تتحد دموعي وينحل شجن هواننا على الحكومات القوية والضعيفة في دعاء القنوت في صلاة الفجر. أرفع رأسي إلى السماء ببيتي مع جموع المبتهلين في المساجد المجاورة. يا الله فهذه اللحظة الوحيدة التي نستطيع فيها أن نرفع رؤوسنا أن نحس أصلاً أن لنا رؤوسا خلقها الله لترفع لا لتتحول إلى جماجم على الأجساد.
***
حقيقة ليس هناك ما يقال في مذابح غزة؛ فقد استنفد الكلام أي قيمة إنسانية ومع ذلك فالكل أمام العجز المطبق أصبح لا يفعل غير توسيع مزادات الكلام المجاني، لدرجة أن البعض بدلاً من أن يعض الحر على رمانة الكتف وينثني على الجرح خجلاً أمام عيون الأموات والأحياء، فإننا نصر على أن نضيف إلى آثامنا الكثير في حق غزة إثم الكلام.
فهناك من لا يتورع في هذه اللحظة الحارقة عن القول إنه ما كان للعدو أن يعتدي لولا مواقف المقاومة وكأن التاريخ لم يبرهن ميدانيا أن العدوان لم يوقفه يوماً دخول صاحب الحق في حالة موات.
***
لذا، فإنني أضع بعض المطالب المتواضعة أمام اجتماع القمة من باب عدم الاستسلام لراحة اليأس والتمسك ببعض الشك في حسن النوايا:
1- المطلب المحدّد هنا هو إبراء الذمة أمام الله وأمام أنفسهم وشعوبهم؛ فهم مؤتمنون، ولن يكون ذلك إلا باتخاذ قرارات تعبر فعلاً عن فداحة الموقف بالعمل على إيقاف المذبحة فوراً؛ فهذا أقل ما يتطلبه إثبات البراءة.
2- سحب المبادرة العربية وإيقاف عرضها على العدو إلى حين تغير ظرف القتال.
3- تجميد العلاقات الدبلوماسية وسواها مع حكومة العدو الصهيوني.
4- لا يصح القول في هذه اللحظة بأن المرحلة ليست مرحلة قطع بترول، بل إن هذه لحظتها فلا بد من التهديد بهذه الورقة.
5- الإيقاف الفوري لكل عمليات التسوية لأنها تبدو عملية من طرف واحد؛ إذ كيف تكون هناك مشاريع تسوية وحالة حرب ضروس قائمة على غزة في نفس الوقت.
6- لابد من الاستقواء بالشعوب، وفي هذا لابد من ترك المساحة للتعبير السلمي بكل أشكاله في الوقوف مع غزة.
7- إن الدول القوية تحترم - كما علمتنا التجارب - أولئك القادة الذين يحترمون شعوبهم ويعبرون عن مواقف مشرفة تجاه قضاياهم.