Al Jazirah NewsPaper Wednesday  31/12/2008 G Issue 13243
الاربعاء 03 محرم 1430   العدد  13243
أضواء
لمصلحة مَنْ يستشهد أبناء غزة؟! (1)
جاسر عبدالعزيز الجاسر

قَدَر دول المركز أن تفيء بظلها على دول الأطراف، حتى وإن أظهرت نَزَقاً وأدارت ظهرها متجهة لمن يستغلها خدمة لأهداف باتت معروفة، إلا من بيده قرار دول الأطراف التي إما أن تعرف ماذا يريد من يعمل لتوظيف الورقة الفلسطينية ويتغابون بعد أن تورطوا وتوغلوا في اللعبة، فلم يعد بمقدورهم الخلاص مما سقطوا فيه بعد أن قطعوا جسور المودة مع دول الحكمة التي نبهت وأوضحت أن معالجة القضايا الكبرى لا تتم بالصراخ ولا بالخطب الاستعراضية والتنظير البعيد عن الواقع.

لنكن مباشرين وصرحاء، فبعد قافلة الشهداء الأخيرة في غزة لا يجوز السكوت على ما يجري ويحاك خارج الإقليم العربي.. لنطرح الأسماء ونحلل المواقف ونفتح كشف الحساب.. حساب الدم والأرض والإنسان وماذا قدمت الدول من مواقف للقضية الفلسطينية ومن هم الذين قدموا الشهداء وتدمرت أوطانهم وخربت اقتصاداتهم.. ومن الذين رهنوا القضية الفلسطينية واستمرؤوها لمد عمر أنظمتهم، ومن ترك أرضه تحت أيدي المحتلين، وكيف فعل الآخرون فحرروا أرضهم والتفتوا للداخل فأصلحوا اقتصادهم وأحسنوا رعاية مواطنيهم؟ وكأن الآخرين يسوؤهم أن يحرر العرب أرضهم ويعيدوا أوطانهم إلى سابق مجدها، فأخذوا يثيرون الشبهات حول مواقفهم.

لنتحدث بصراحة أكثر وبالأسماء، فالحملة ضد مصر والأردن ولمز المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج ليس جديداً.. فبعد نجاح العرب مجتمعين في عام 1973 في حرب أكتوبر المجيدة التي جاءت نتيجة تضافر دول المركز (مصر والسعودية وسورية)، وتحقق الانتصار الكبير كترجمة عملية لوحدة الموقف ووحدة الكلمة. حيث تضافرت جهود العرب جميعاً رجال مصر وسورية مع مال أهل النفط في السعودية والإمارات والكويت فتحقق النصر.

بعدها وكنتيجة حتمية بأن يتبع كل حرب كبيرة تفاوض لحصد نتائج تلك الحرب، تبدأ المفاوضات والمباحثات لمعالجة أسباب اندلاع تلك الحرب.. هكذا فعل كل من خاض حربا صغيرة كانت أم كبيرة.. ثنائية أو إقليمية أو عالمية، كل تلك الحروب جلس أطرافها وتفاوضوا من حروب التحرير كحرب التحرير الجزائرية وإقليمية كحرب فيتنام، أو عالمية كالحرب العالمية الثانية وقبلها الأولى. ولذا فليس بدعاً أن تتبع حرب أكتوبر مفاوضات فك الاشتباك ثم مباحثات ميناهاوس التي تخلف عنها العرب فجلست مصر وحدها لتسقط في فخ اتفاقية كامب ديفيد.

وهذه الاتفاقية التي وقفنا ضدها - وأنا ممن كتبوا ضدها - لم تكن سيئة بالمطلق، فهي بالنسبة لمصر حققت ما عجز عن تحقيقه الآخرون وما زالوا عاجزين، ولو كانوا حاضرين لأمكن تحرير كل الأرض العربية وحصلنا على ما نريده مقابل ما نعطيه من أمن لإسرائيل ونحصل على أرضنا والسلام الذي هو لفائدتنا أكثر من الإسرائيليين الذين لا يعيش كيانهم إلا بغياب السلام.

مصر استعادت كل أراضيها بعد عقد اتفاقية كامب ديفيد.. وحتى جيب طابا عاد بعد مفاوضات أظهر فيها المفاوض المصري براعته.. وعيب اتفاقية كامب ديفيد إخراج مصر من المواجهة العسكرية العربية - الإسرائيلية التي انتهت عملياً بعد فقدان توازن القوى، بعد مصر اقتنعت الأردن بأن التفاوض كفيل بإعادة الأرض، فحققت لها مفاوضات وادي عربة ما أرادت.

سورية لم تقتنع بأسلوب التفاوض وبدلا من ذلك حاولت تحقيق أهدافها باستعادة الأرض من خلال توظيف الورقتين اللبنانية والفلسطينية فحصدنا حروب لبنان.. واليوم حروب غزة.

ويؤخذ على نظام دمشق عدم وضوح موقفه تماماً على عكس ما يشيعه أنصاره وكتابه من خلال الترويج لأدبيات الصمود وثبات المبدأ، فدمشق مترددة، رِجْل تتجه للتفاوض مع إسرائيل عبر الوسطاء وعبر لقاءات سرية كشف النقاب عنها في أوقات عدة، ورِجْل تتجه لشن حرب ضد إسرائيل بواسطة اللبنانيين والفلسطينيين.

وبعد وصول الخميني للسلطة في إيران دخل لاعب جديد للإقليم العربي وجدت فيه دمشق حليفا تتطابق أهدافه ورؤاه ومصالحه مع النظام، فحكام طهران من أيام الخميني وصولاً إلى خلفائه الذين ينتهجون سياسة نشر الفوضى في الدول العربية؛ حتى يتسنى تعميم أيدلوجية الفكر الخميني وتصدير (ثورته) إلى الإقليم العربي، فإثارة الفوضى وإثارة صدام مستمر بين الجماهير والنظام يساعد على نشر الأحزاب والجماعات المرتبطة بإيران من خلال الدعم المادي، في ظل استعدادات قيادات محددة لأسباب أيدلوجية وحباً في المال والجاه كفروع إخوان المسلمين في بعض الأقطار العربية، كما هو حاصل في غزة واليمن ولبنان والعراق، ونشر التشيُّع الذي سيكون داعماً للفكر الخميني وبدعه المذهبية، وإنشاء مليشيات عسكرية وتنظيمات مسلحة في الأقطار العربية التي تخرج على سلطاتها، سواء بسبب الاحتلال كما حصل في العراق، أو فرض الأمر الواقع كما هو في لبنان، كما أُريد له في اليمن من خلال الحوثيين، والعمل على إقامة مثل هذه المليشيات مثلما حاولوا في مصر عن طريق تجنيد أنصار الإخوان المسلمين في الجامعات الذي كشفه استعراض القوة لبعض المنتمين للإخوان المسلمين في جامعة الأزهر.

تحالف نظامي دمشق وطهران وفروع الإخوان ومليشيات الخميني ونشر التشيُّع في الأقطار العربية، وهم الذين يثيرون الشكوك ويقودون حملات التشكيك بمواقف دول المركز والبداية مصر.. تمهيداً لرهن القرار العربي وجعله بيد ملالي طهران.. والنتيجة سقوط شهداء في غزة مثلما سقط الشهداء في لبنان.



jaser@al-jazirah.com.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 11 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد