لأنها الجرح النازف بصوت.. تلفت الصغار حول الشلال..
لم تبكون..,
وجرحها يتعالى صوته..
لم تشهقون..,
وأساها يكوي وخزه..,
ومعلمات في المدارس يخبرنني أن الصبيات يلعبن، يقضمن شرائح البطاطس المحمرة ويتراكضن.. تقول لهن رفقا بالجرح النازف لا يقوى ضحكاتكن.. لكن فلسطين كلها مغيبة قضيتها عن معارفهن..(هه) (هه) سمعنا عنها في سطور باهتة، وأحاديث عابرة, وأخبار غي معمقة.., ندري أن اليهود يحتلون أرضها وأنها مستعمرة ولا شيء.. تقول صديقتي المعلمة: اقتربت مني بعضهن يسألنني ما سر الصمت ومسحة الحزن وبواكير الدموع تعمني منذ أيام ثلاثة..؟ حين أعدت سؤالهن إليهن..: ألا تحزن مثلي..؟ ألا تقتحمكن دموعكن..؟ ألا تؤلمكن وخزات الجرح في قلوبكن..,؟ تضاحكن بعبثية تائهة بها نظراتهن..؟ قال صديقتي: صدقيني إن ثقافة هذا الجيل وهي مفرغة من هذه القضية.. تفسير شفيف لتيه هذا الشعب العربي في غي غرور الحياة.. يوم نشأنا وفلسطين قضية تنمو مع منابت اللحم ومنابع الدم فينا.., أما اليوم فكل يغني على ليلاه... ويا حسرتاه..
ريال كانت تحصده معلماتنا من مصروفنا اليومي كلما دعت النخوة لموآزرة فلسطين...
(بلاد العرب أوطاني).. وكبرنا ولا وطن يجمعنا إلا أن لساننا يتكلم لغة واحدة فقط.. الآن حتى الصغار داخل البيوت يتحدثون بغير ألسنة تتحدث في أفواه كبارهم وآبائهم... جيل التيه.. والحيرة.. وفراغ الزوادة من الغذاء..
صديقتي تقول: تسعة في بيت ودعوا خمسا منهن.. سقط الأب.. تلجلجت الكلمات في فم الأم.. ارتجفت أوصال الأخت.. عمت فوضى الذهول وكبرياء الانتماء وحمية الوطن ويقين الإيمان.. وأنقاض البيت على الرؤوس.. فيما العالم يشاهدها مقهورة منتهكة مدمرة محترقة في شاشات الفضائيات وفي هذا العالم هم يحتسون كؤوس المشروبات الدافئة والباردة.. ويقضمون الفاكهة والحلوى.. ويتمددون على الأرائك أو في السعة، ويتابعون الأخبار فقط متابعة.. والجيل لا يزال منهمك في الضرب على حروف أجهزة الشاشات الإلكترونية يسيح في فضاءات التحليق.. إن مرت بسمعه فلسطين: فدهشة واستفهام.., قضية لا تنتهي..؟ مجرد معلومات مبتسرة ومعرفة متسطحة..
فلسطين تدفن جثثها لكنها تحلق بأرواحها.. وستتحول هذه الأرواح إلى صقور تنهش في ضمائر الصامتين على خور لا على وجل.. أو خجل ... صديقتي تقول: ثقفوا الأجيال بقضايانا الكبرى.. علموهم كيف تنبض بلاد العرب في دمائهم.. ذلك أضعف اليقين.. ربما يحتاجون ذات موقف لأن يكونوا أوفياء لقضياها وتاريخها.