(1) دوائر عديدة يمكن أن ننزل عليها هذا العنوان بدءا بعش الزوجية والبيوت الأسرية والعلاقات القرابية والروابط الوظيفية والمحلية والوطنية...
وإذا أردت أن نصل إلى أكثر من ذلك فذلك وارد وهو أن نكون أو تكون عالميا وذلك باعتبار الأهداف والطموح والإمكانات والقدرات التي تمتلكها...
... من الأشياء التي يتفق عليها علماء النفس والاجتماع بأن قدرتنا على التعايش مع مختلف الظروف والأشخاص تعكس سعة أفقنا ورياضة أنفسنا... في الوقت الذي يصل فيه البعض أنه لا يستطيع التعايش مع نفسه فيتجه إلى أنواع من المشروبات أو التخديرات حتى يرتاح أو قل يغيب عن الحقيقة.
(2) ... التساؤل المهم الذي أريد مطارحته هنا هو كيف لنا أن نعي وأن نتعايش مع معادلة الموازنة بين (ما يجمعنا وما يفرقنا) وما هي تلك الأسباب المعينة على تحقيق هذا المعنى وتلك التي تخرق أو تعيق تحقيق هذه المعادلة، وكيف لنا أن نرفع معدل الوعي في هذه القضية؟.
في تقديري أن الحديث يمكن أن يتسع وربما للقراء والقارئات من الأسباب ما يعالج أهمية هذا الموضوع ولكنها محاولة لإثارة أهمية التفكير في هذه المعادلة.
... ولعلي أشير بأنه من الممكن النظر إلى نموذج يمكن من خلاله تصور الدوائر التي يعمل ويتفاعل من خلالها الإنسان...
إذ تبدأ هذه السلسلة من دائرة البيت الأسري ثم الحي الذي يعيشه الإنسان ومن ثم المدينة التي يسكها ثم دائرة الدولة التي ينتمي إليها ثم الموقع الجغرافي على الخريطة العالمية كالخليج العربي مثلا أو الشرق آسيوي أو الإفريقي وهكذا كما يدور الإنسان العربي في دائرة العالم العربي ثم في النهاية دائرة العلاقة العالمية ثم أختم بدائرة مقدسة لا تحدها حدود عالمية ذلك إنها عالمية المصدر والمنشأ وهي الدائرة الإسلامية التي في الأساس منها نبتدي وإليها ننتهي.
... وهذا النموذج يمكن أن تتسع له صدور الشخصيات العالمية في الوقت الذي تضيق فيه نفوس فلا مكان لذاتها كما أشرنا، وأحيانا لا مكان إلا لقبيلتها أو لمدينتها أو لدولتها وهكذا ولكن الكمال الإنساني هو استكمال كل هذه الدوائر وأن يكون لكل دائرة مكان يتناسب وحجم أهميتها ومكانها.
(3) ... وأنا أكتب عنوان (ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا) تنقل قنوات الفضاء قصف إسرائيل الإرهابي لقطاع غزة الفلسطيني، كما تنقل في الوقت ذاته شحناء أبناء الوطن الواحد ضد بعض وتهامز وتلامز وتلاوم الفصائل الفلسطينية بل وتعميق الفرقة من هنا أو هناك وإسقاطات مباشرة وغير مباشرة من أطياف مختلفة أغلبها يركز على الافتراق ويبرر لشق الصف الذي ربما تجمعه كل الدوائر التي ذكرنا دون استثناء في الوقت الذي تعمق انقسام عرى الوحدة وتعزز دائرة العدو والعداء والاستعداء التي يجب أن تكون خارج ذلك كله.
... في الوقت الذي ندعو فيه لأهلنا وإخواننا في غزة بأن يحفظهم الله وينصرهم نؤكد للكل بأن احتواء المشكلات والخلافات والتعامل معها بحكمة يغلق على العدو كل الأبواب التي يريد الدخول منها... وتهميش أو استعداء طرف لطرف هو فرصة للعدو لاجتذاب أحد الأطراف ليكون بابا ومدخلا لا لاستهداف الطرف الآخر بل للقضاء على الجميع وذلك الذي نحتاج إلى وعيه والتوعية به، بل والإيمان به.
... وبعد عرض هذا الهم الذي يؤرق الجميع أنتقل إلى الحديث في واقع اجتماعنا لأشير إلى أن من عدم الاتزان أن تجد شخصا أو شخصيات من أسرة (ما) يرتبطون بآخرين بصداقات وعلاقات وخدمات وذلك من حقهم لكن الذي نريده لتحقيق الكمال الأخلاقي أن يكون للأقرباء ودائرتهم حق في ذلك لأن من قواعدنا الشرعية (الأقربون أولى بالمعروف)...
والإنسان مهما أوتي من آداب الاجتماع ومهاراته فإنه يظل ناقصا إذا استمر قاطعا لرحمه وأقاربه وذويه. والوقت لهذا وذاك من العلاقات والاتصالات يمكن أن يسمح إذا أردنا نحن للوقت أن يسمح.
(4)... والحديث عن هذا التقعيد الأسري يمكن أن ينسحب على دوائر العلاقات الوظيفية وعلاقات الجوار والعلاقات على مستوى الوطن بل والعلاقات على مستوى الدول... إننا بحاجة اليوم إلى تأسيس علاقات ودية وأخوية لأن كل علاقة إيجابية خلفها مصلحة إيجابية، وهذه القاعدة تقول بأن من كثرة علاقاته الإيجابية كثرة مصالحه الإيجابية والعكس بالضبط صحيح.
... وإلى هنا أريد أن أنهي المقال ولا أختم الموضوع بأنه من السعة والمرونة والأهمية ما نحن بحاجة إلى مناقشته فأن يكون لك في كل مكان أخ وفي كل مؤسسة صلة بل وفي كل بلد رابطة ودية فتأكد بأنك شخصية ذات أهمية ومسؤولية.
* عميد خدمة المجتمع جامعة القصيم