مرت أجيال من العرب بسنوات عجاف، ولو قلتُ: (مرّت أجيال العرب) -بالتعريف- لكنت أقرب إلى الصواب.
سنوات عجاف من حيث الشعور بكرامة الأمة العربية وتماسكها، ومن حيث الاعتزاز بالانتماء إليها.
وربما لم يخلُ عام من أعوامي التي تجاوزت
الشعرين- وأنا حرُّ في افتراض عمر حقيقي لنفسي- لم يخلُ من نكسة أو نكبة.
إن هذه الأعوام التي مررنا بها-أو مرّت بنا- ستحمل أسماء كما حملت الأعوام التي سبقتها. وستكون أسماؤها دائرة في فلك الأحرف نفسها؛ لأن ما فيها من مصائب وخطوب جاءت متقاربة متشابهة؛ فتشابهت حروفها، ورحم الله ابن جني الذي علمتنا عبقريته أن للغتنا من (الخصائص) ما ليس لغيرها، ويبدو أن للعرب أيضاً من خصائص المسكنة والسكوت على الضيم ما ليس عند غيرهم من الأمم!.
الأسماء التي أقترحها ستكون على هذا النحو:
ف(عام النحْسة) هو العام الذي وُقّعت فيه معاهدة (كامب ديفيد)، والنحس وتفاعلاته معروف.
وعام غزو صدام للكويت هو عام (الركسة)، والركس قلب الشيء على رأسه؛ فقد ارتكس كل شيء بعد تلك الأزمة.
وأما العام الذي شهد غزو أمريكا للعراق فهو (عام النكْعة)، والنكع الأحمر من كلّ شيء؛ وإنما أسميه بهذا الاسم؛ لأن الغزاة كانوا حمر الأنوف.
والعام الذي وقعت فيه حرب إسرائيل على لبنان هو (عام النكصة)؛ لأنه كان مرسّخاً لتشتت الأوراق واختلاط الآراء والمذاهب.
ومن الأعوام ما يُسمّى (عام النكزة) و (عام النكشة)، وحيثما دُرتُ في فلك اللغة فهي منجدة لي على كل حال.
أما عام مجازر غزة الذي نحن فيه فأولى أن يسمى (عام النَّحْبة)، والنحبة واحدة النحيب؛ وإنما سُمي هكذا لأن النحيب كان فيه عالياً، ولم يتحرك العرب القادرون لنجدة المجزورين، إلا بالنحيب والصياح، ولعلّ الأمور تسير إلى الأحسن حين ينشر هذا المقال.
وحيث وقفت عند هذا العام ذي العار الجديد، أرى أن من أكبر العار أن يتداعى بعض المثقفين والصحفيين لجلد (حماس) والشماتة بها، في مقالات تخلو حتى من المروءة وحتى من أدنى درجات التعاطف ولو تعاطفاً ظاهرياً- من باب الشماتة بإسرائيل-! دون مراعاة لمشاعر المحترقين في جحيمها الأهوج!.
لنفتضرض جدلاً أن (حماس) هي التي تتحمل عبء المجزرة، وأنها هي التي جرت الويلات على الفلسطينيين؛ أفليس من الحكمة التي غابت عن رئيس تحرير إحدى كبريات الصحف الخليجية أن يغض الطرف -ولو مؤقتاً- وأن تؤجل محاسبة حماس على ما (اقترفت يداها)، أفليس ما صنعته حماس - ومازلت في دائرة افتراض خطئها- هو أشبه بخطأ ولد شقي مشاغب، خرج على سلطة والديه، فظفر به اللصوص الذين يحتلون جزءاً من البيت، فنكلوا به؟.
أليس موقف الوالدين في مثل هذه الحال أن يقفوا مع ولدهم العاصي؟ أليس من النبل والمروءة أن يواجه اللصوص وألا تظهر لهم أيّ بادرة من بوادر التخلي عن الولد؟
أنقذوا ولدكم، وقاتلوا اللصوص معه واستنقذوه منهم، ثم حاسبوه بعد ذلك.
وأعود إلى الأسماء المقترحة للسنوات العجاف، فأقرر أن السنوات التي لم تقع فيها حروب- وهي قليلة- فاسمها واحد هو (سنوات النعسة)؛ وسر تسميتها بذلك أن العرب نعسوا فيها حين كانت كل أمة تجادل عن حقوقها، وتصارع للوقوف في أول المسيرة.
وبمناسبة دخول العاملين الجديدين-الهجري والميلادي- متقاربين، شاهدين على ما نتمتع به من ذهول عجيب، ومن تشرذم أعجب، لا بدّ من التهنئة بهما على كل حال:
فكلّ (عارٍ) أنتم بخير.