كلما مددت يدي لأتناول طعامي مع أفراد أسرتي غصصت باللقمة حين أتذكر تلك الأم المكلومة التي فقدت خمساً من بناتها!! فبأي ذنب قتلن؟!
ومن سرق لقمة العيش وطعم الراحة والسكون منها؟!
وكلما أحكمت الغطاء على أبنائي في ليلة شتوية قارسة، بالتأكيد ليست كبرودة ليالي غزة، توقفت ملياً لأشرق في دموعي، وأتذكر كل أم قليلة الحيلة لا تستطيع أن تغطي أبناءها إلا بدموعها الحرى وقلبها الفارغ إلا بالإيمان!
رحماك ربي.. لئن كانت تلك الأم قليلة الحيلة فنحن أقل منها، فالله عز وجل ما ينزل مصيبة إلا أنزل معها اللطف، ولولا إيمان راسخ برب رحيم لطيف بعباده لمزقنا الألم، وخرجنا من عباءة الصبر خاسرين ومن إزار اليقين مهزومين!!
فاللهم أنزل على سكان غزة لطفك، واربط على قلوبهم، وتولّ بقوتك ضعفاءهم, وارحم شهداءهم، وزلزل أعداءهم وألبسهم رداء الذل!!
* * *
أي غزة!!
أما آن لجرحك الغائر أن يوقف شلاله النازف بالدماء الطاهرة؟!
أما آن لغزة أن تشهد الاستقرار والهدوء والسكينة؟!
وكأن غزة أضحت الضمير المستيقظ الذي ينبهنا لقضيتنا كلما جرفتنا ملهيات الحياة وزينتها وبريقها!!
وكأن غزة الناقوس الذي يدق فوق رؤوسنا حين نتجاهل المطالبة بحقوقنا أو نغفو عنها أو نتغافل!
* * *
أي غزة!!
مدينة الشرف والعزة!
وإن كانت مساحة أرضك أصغر من أن تتسع لقبور الشهداء!!
ومصحاتك أضيق من أن تستوعب علاج المصابين والجرحى!!
ووقت أهلك أقصر من أن يواسَى فيه الثكلى!!
وهامات قومك أطول من أن تركع أو تسجد للؤماء!!
ونفوسهم أعظم من أن تتوسل للكبراء!!
وأيديهم أكرم من أن تتسول أو تستجدي البخلاء!!
إلا أنهم عرفوا حتماً كيف يستنهضون الهمم، ويوقظون الأفئدة، ويؤلفون الأصوات العالمية لتهتف باسمك وتطالب بإنقاذ شعبك وتظهر عوار عدوك وتعريه من معاني الرحمة والشفقة، وتسقطه من عيون الشعوب العادلة!!
* * *
غزة، أيتها الجريحة بمشارط الحقد!!
أيتها المكلومة بوحشة الفقد!!
أيتها المحروقة بنيران الغدر!!
أيتها المضروبة بطائرات العدوان!!
أيتها الصابرة، الواثقة بنصر الله!!
أيتها المؤمنة بقضاء الله!!
أيتها الكريمة بشهدائك!!
أيتها المُعلمة بصمودك!!
يا مدرسة الشموخ والعزة!
تبقين جرحاً نازفاً في قلوبنا, ومعلماً شاخصاً في نفوسنا للأبد.. يعلمنا معاني الصمود والشرف والكبرياء!!
وتبقين - غزة - أرضاً خصبة بالدماء!
وأشرف أرض غرست بالأشلاء، تلك الأشلاء التي ستلملم يوماً ما بقاياها, وتفزع وتستقيم واقفة لتستكمل مسيرة النماء.
وحسبك من أرض طاهرة، ودماء زكية، وأرواح كريمة وأشلاء شريفة, ستكون غدا منارة للصبر والجهاد، لتأخذ بعدها الأرض زينتها ويعيد التاريخ دورته ويُهزم اليهود ويولون الدبر!!
وحينئذ يأتي نصر الله والفتح، ويأخذ الإسلام مكانه ومكانته، ومرتبته ومقامه، ودوره ومنهجه، لتعلو كلمة التوحيد فوق كل كلام!! وتصدح المآذن بلا إله إلا الله لتؤكد أن الله أكبر من كل عدوان وحقد ونيران!!
rogaia143 @hotmail.Com
ص. ب 260564 الرياض11342