Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/01/2009 G Issue 13249
الثلاثاء 09 محرم 1430   العدد  13249
الخارطة الذهنية لتسويق الذات !!
د. خالد بن محمد الخضر

 

ينبعث دُعيت الأسبوع الماضي في الغرفة التجارية لندوة حول كيف يسوّق الشاب السعودي نفسه في القطاع الخاص؟! وأعتقد أن هذا الموضوع ذو أهمية قصوى يحتاج إلى المزيد من الدراسة والتحليل وتسليط الضوء على هذا الهم المشترك بين أطراف المعادلة العملية من رجل أعمال وبيئة عمل وموظف، وتعتبر أضلاع تلك المعادلة هي الثالوث الذي تتكئ عليه كل النجاحات في تلك البيئة، أعود لعنوان مقالي وهو كيف يسوق هذا الشاب نفسه - وما ينطبق على الشاب ينطبق هنا على الفتاة - أقول إن ذلك يرجع لعدة عوامل أهمها يبدأ من المنزل فللمنزل أهمية قصوى في خلق مساحة الإبداعات والقيم وحرية الرأي وثقافة المفاوضة وخلق مساحة لا بأس بها من الذهنية العملية التي تخدم القيم والمبادئ الذي ينادي بها الإسلام ويؤكد عليه، لتنصهر تلك المبادئ والقيم لتعطي خارطة ذهنية يستطيع المرء من خلالها العمل بمبادئ قاعدة الأخذ والعطاء، والمحاورة والإنصات، وطرح الرأي واحترام الرأي الآخر كل ذلك منبعه التنشئة الإسلامية المتقاطعة مع لغة العصر تقاطعا يغرز ذلك التوجه ويؤدي إليه، كما أن من نافلة القول في هذا المجال أن لا نغفل مناهج التعليم فكم ناديت بأكثر من مقال ودورة وندوة أن على وزارة التربية والتعليم وكذلك المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني وذوي العلاقة مسؤولية تثقيف وتنوير الأجيال لما فيه خيرهم وخير أوطانهم، ومن أهم تلك الأمور بعد غرس القيم والمبادئ الإسلامية هي أن ستنبت فيهم أخلاقيات العمل ومبادئه وحب العمل، ففي التجارب اليابانية والصينية أن حب العمل هو من حب الوطن وحب الوالدين هكذا تقول القواعد اليابانية والصينية، وأن من تعاليمنا الإسلامية ما هو أبعد وأعمق من ذلك من مناداة كثير من الأحاديث والأخلاقيات بحب العمل وإتقانه والبقاء على ثقافة العمل حتى لو أن أحدهم معه غرسه وأن يوم القيامة قد أتى فعلى المؤمن أن يغرس تلك الشتلة أو الفسيلة (كما جاء في الأحاديث النبوية) والثقافة الإسلامية حُبلى بتلك التعاليم الجليلة، إذن لماذا لا تُغرز القيم الأخلاقية وحب العمل وكذلك غرس الأطر والأساليب التي تساعد الشاب في ميكانيكية تسويق نفسه لأي عمل هو بصدد الدخول إليه والانضمام بين جوانحه، لماذا لا تكون لدينا مناهج تقوم على تدريس وتثقيف الشباب على الأساليب المساعدة لهم لكيفية تقديم أنفسهم وكتابة السير الذاتية الخاصة بهم بالشكل المطلوب؟ وتعليمهم على الكيفية المناسبة والمثلى لتقديم الشاب نفسه على من يريد مقابلته من أخلاقيات المقابلة وأدبيات الحديث واللباقة في الرد على الأسئلة وتقديم المعلومة المراد إيصالها إلى من يقوم بالمقابلة وكذلك آليات عرض المهارات والمواهب التي يستطيع (المقَابَلْ) أن يقوم بها، وإنني في هذا المجال أذكر تجربة مررت بها وأنا في القطاع الخاص فكثيراً ما كنت أجري المقابلات مع المتقدمين لطلب وظيفة وإن ما يحزنني في ذلك الوقت أنه يتقدم إليك أشخاص يحملون الشهادات الجامعية المتخصصة من إدارة الأعمال وغيرها وبعضهم يحمل درجة الماجستير ولا يستطيع أن يكتب سيرة ذاتية احترافية يستطيع من خلالها تقديم نفسه، فتجد تلك السيرة يعتريها النقص والخطأ الواضحان، وهذه لعمري كارثة لا تغتفر، ولا أنسى هنا أن أذكر بأن الطالب كذلك عليه أن يطور نفسه من خلال الدورات التدريبية المتخصصة في هذا المجال ليستطيع من خلالها أن يتعرف على أسرار وعلم تقديم النفس للقطاع الخاص، ليتسنى له معرفة كثير من المعطيات والعناصر المساعدة له في تقديم نفسه في كافة المجالات، الأمر هنا لا يتوقف على مشكلة تقديم طالب الوظيفة إلى القطاع بل إن الأمر في مجتمعنا على كافة مفاصله وأطيافه يعاني جميعا من تقديم الذات بشكل لائق ومنهجي ومعقول فمجتمعنا بين طرفي نقيض، فإما موغل بالمبالغة لتقديم نفسه وإما مجحف بحق نفسه وكل ذلك مجانب للصواب والتوسط، فالخاطب عندما يتقدم لوالد الفتاة نجد العجب العجاب، والضيف عندما يقدم نفسه للمضيف، والموظف الجديد عندما يقدم نفسه لمديره ومسؤوله، وفي المناسبات العامة عندما يريد أحدهم أن يقدم نفسه للآخر أو تقدم نفسها للأخرى تجد السيناريوهات الكاريكاتيرية في تقديم النفس! وهذا الخلل كما ذكرنا آنفا ناتج من الأضلاع السابق ذكرها المنزل، المدرسة، وذات الإنسان... فأي خلل بأحد هذه الأضلاع هو خلل في توازنات المعادلة واكتمال معالم هذا الثالوث، ومن المضحك المبكي هنا أنني كنت أجري مقابلة مع أحد المتقدمين في وقت مضى فسألته عن اسمه فقال لي إنني خريج جامعة وقلت له ما هو تخصصك فأعطاني اسمه وضحكت! وهذا يعود لقلة الخبرة وانعدام الثقة وخواء المعرفة وضحالة التدريب وانعدام التجربة والتنشئة وافتقاد لثقافة الحوار منذ الصغر، وأخيرا أحببت هنا أن استعرض مشكلة يعاني الكثير منها من الجانبين وحاولت جاهدا أن أبتعد عن أسلوب التنظير والمبادئ والأسس التنظيرية البحتة التي تقوم على الأسلوب التعليمي والتلقيني المجانبة للأسلوب الواقعي المتقاطع مع حاجات الناس وهمومهم.

كاتب سعودي


Kmkfax2197005@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد