عملية تصدير الثورة هي أبرز ملامح الأجندة السياسية التي سعت إليها الثورة الإيرانية منذ عام 79 على يد مرشدها الروحي الخميني، ليس على المستوى الإقليمي فقط بل عالمياً أيضاً، وإن كان مبدأ تصدير الثورة قد خفت لاحقاً في عهد الملالي الذين خلفوا الخميني في الحكم (على الأقل لم تعد الثورة تحتل السفارات أو تخطف الطائرات) إلا أنها لم تخرج من عباءة الخميني, ووصايا ثورية منطلقة من أيدولوجية (ثيوقراطية) متزمتة تستمد شرعيتها وحيويتها من خلال استعداء لمحيطها وتجييش دائم ضد من تصفهم بأنهم أعداؤها التاريخيون سواء في الخليج أو أفغانستان وصولاً إلى الشيطان الأكبر أمريكا.
وإن كان الأمر قد مرَّ بهدنة ربيعية في عهد خاتمي الذي انشغل بتأسيس ملامح الدولة المدنية هناك، إلا أن التصعيد عاد على أشده مع عهد نجادي والاحتلال الأمريكي للعراق، حيث عادت الثورة إلى دعم وتسليح الميليشيات ذات الواجهة الطائفية في لبنان والعراق، وتكوين تنظيمات سرية وخلايا نائمة، ونبش في القضايا الإشكالية بينها وبين محيطها الإقليمي على سبيل المثال: (تصريح شريعتمداري وهو المستشار الخاص للمرشد الروحي في إيران، عن أحقية إيران التاريخية في البحرين)
ولعل حالة الظلم التاريخي التي حلَّت بالفلسطينيين عبر نكباتهم المتصلة، جعلت الكثير من تحركاتهم وولاءتهم السياسية عاطفية متسرعة وغير قادرة على اللعب على الخيوط التي تتحكم في المنطقة بحنكة ودهاء، فخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لمنظمة حماس قال في تصريح له في القاهرة بعد أن التقى حفيد الخميني (إن الخميني هو الأب الروحي لحركة حماس) وهو تصريح مغرق في رومانسيته، خالٍ من الدهاء السياسي الذي تتطلبه طبيعة التناقضات في المنطقة.
بالطبع هذا الميل الجارف الذي كان يدعم طوال الوقت من سوريا التي تحتضن القادة السياسيين لحماس، جرَّ حماس رغم أنفها لتحقيق الأجندة السياسية لإيران، عبر إشعال المنطقة وغرس أوتاد الهلال الشيعي الذي يمتد من إيران وينتهي بفلسطين.ولعل ذهول العالم واستغرابه من كسر الهدنة والاستمرار في قذف الصواريخ على إسرائيل وإلقاء غزة بين فكي الوحش الصهيوني من الممكن أن يُفسر عندما نعلم بأن حماس كشفت أوراقها وألقتها جميعها في أحضان الثورة الإيرانية.بالطبع الرابح الأول من هذا الوضع هو إسرائيل نفسها، فهي هنا تستطيع أن تنسف جميع معاهدات السلام التي يطالبها ويحاصرها بها العالم، فتبرر وحشيتها العسكرية للعالم بأنها تدافع عن نفسها ضد (ميليشيا) مدعومة من إيران وليست ضد دولة فلسطينية مسالمة ذات بنية تحتية مستقرة ومشروع مدني مستقبلي.طبيعة المواجهة الخرقاء مع عدو صهيوني متوحش ذي ماضٍ موغلٍ في المجازر، واختلال ميزان القوى على حساب الأطفال والنساء والمدنيين العزل، بالتأكيد يحيلنا إلى أن حماس لم تعد تملك استقلالية قرارها وأصبحت أداة..... بل قفازاً يُوظف في غرس الهلال الشيعي في المنطقة.